تجربتي مع الشهيد وصفي التل ..
يوسف عبدالله محمود
17-08-2021 12:18 PM
كان ذلك في أوائل ستينيات القرن الماضي حين تم عزلي عن العمل في وزارة التربية والتعليم، بتهمة الانتماء الى حزب سياسي محظور آنذاك. أظلمت الدنيا في وجهي. علم بحالتي احد نواب مدينتي بيت لحم المحتلة، وعدني ان يصحبني معه الى العاصمة عمان يوم الثلاثاء لمقابلة رئيس الوزراء آنذاك وصفي التل -رحمه الله- حيث كان قد حدد هذا اليوم من كل اسبوع للنظر في قضايا المواطنين الشخصية.
في مكتبه تم اللقاء، طلب اليّ ان اشرح له لُبانتي، ففعلت. الحق اقول، كنت منفعلاً في حديثي، اتكلم بعصبية لدرجة طلب اليّ النائب ان اخفض صوتي، لكن وصفي التل- رحمه الله- قال له: دعه يتكلم كما يشاء. لم يضق ذرعاً بكلامي، رَحب الصدر كان. بعد ان انهيت كلامي سألني: هل كنت حزبياً حقاً، اجبته: نعم كنت ثم تركت.
رفع سماعة التلفون واتصل بالمرحوم الشيخ ابراهيم القطان الذي كان آنذاك وزيراً للتربية والتعليم، وسأله: ما قصة المعلم "فلان"، أجابه على الفور: المخابرات تقول انه مُنتم الى حزب محظور. وهنا رد عيه: اريده ان يعود الى عمله وان يصرف راتبه بسرعة.
لم اصدق ما سمعت، التفت اليّ رحمه الله وقال: بعد غدٍ تذهب الى البنك الذي يُصرف لك منه راتبك لتستلمه. شكرته بحرارة وغادرت برفقة النائب البرلماني.
وفي اليوم المحدد ذهبت الى البنك ووجدت راتب مودعاً فيه.
رحم الله الشهيد وصفي التل، عملة نادرة كان. يقضي احتياجات المواطنين اذا اقتنع بها. لا تشتم منه بيروقراطية او استعلاء.
وصفي التل كان بحق سحابة لمن خانه يوماً مطرُ.
يروي عنه المرحوم جمعة حماد انه استدعاه ذات مرة بخصوص قضية تخص جريدة الرأي التي كان مديراً عاماً لها، حدّثه بانفعال الى حد جعل الرجل يوقن ان الجريدة على وشك أن تُغلق! لكنه عند المساء اتصل به الشهيد وصفي التل ليقول له: انتم كنتم على صواب. والمعنى انه اعترف بالتسرع في الحكم، ثم تراجع عن موقفه.
رحم الله وصفي التل. رجل ولا كل الرجل.