يبدوا ان فكرة الاصلاح ساقت معها أفكار ربحية لا حصر لها لمن تمرسوا العمل مع بعض منظمات المجتمع المدني المُدارة عالمياً ، فهـؤلاء وجدوها فرصة سانحة للكسب وترويج افكارهم الخاصة وبالتالي الرهان على تبوء على مكانة وموقع متميز في الحالة السياسية المقبلة للبلد ، لقد تحولوا فجأة الى دُعاة أشداء للحزبية والأحزاب ، و الى أشد المناصرين لدور مميز للمرأة والشباب ، وهم في الاساس مهتمين فقط بشيء واحد موقعهم في المستقبل الموعود ، فالاصلاح المنتظر لا يعدوا عن كونه حصان طروادة بالنسبة لهم يأملوا من خلاله أن يقودوا المرحلة المقبلة ، لِمَ لا ، فهم موجودين بقوة ، ويتمتعون بالدعم الحكومي ولديهم الامكانات المالية اللازمة .
لإكتشاف ذلك يكفي فقط أن تستمع الى نقاشاتهم على وسائل الاعلام ، ستجد أنهم بعيدون تماماً عن فهم آليات وأبجديات العمل السياسي ، وأليات التحول الديمقراطي لذلك غرقوا مباشرة في تفاصيل صغيرة تُعتبر ضئيلة أمام الفكرة الرئيسية وهي كيفية إيجاد بيئة مُنتجة للعمل السياسي وبالتالي التحول الديمقراطي ، لهذا تجد أن نقاشاتهم تركز على النتائج مباشرة قبل إن يكلفوا أنفسهم عناء النقاش الجاد في تلك البيئة اللازمة للعمل ، فهم فجأة يريدوا أن يمارس الشباب دوراً قائداً ، يريدوا أن تتبوأ النساء موقعاً سياسياً بدون إعداد حقيقي ، وكذلك أن تقود الاحزاب العملية السياسية فجأة وبدون مقدمات ، كل تلك أهداف ممتازة ولكنها نتيجة لعملية إصلاح جوهرية وليست غاية لها ، لكن اللجنة حولته الى غاية فما النتائج المتوقعة ؟
تعيدنا لجنة الاصلاح الى القصة الاسطورية اليونانية ( حيث كان حداداً وقاطع طريق ، يهاجم الناس ويقوم بمط اجسادهم او قطع أرجلهم لتتناسب مع سريره الحديدي ) (ويطلق لفظ البروكرستية على نزعة فرض القوالب الجاهزة سواء على الاشخاص او الافكار او لي الحقائق او تشويه المعطيات لكي تتناسب قسراً مع مخطط ذهني مسبق ) **ويكبيديا ** وهذا بالضبط ما يحصل الآن ، فاللجنة تريد مط الحالة الاردنية لتتناسب مع حالة مُتخيلة تفتقر الى الموضوعية والرؤية العميقة لواقع الحال ، فلنتخيل أن قانون كوتة الاحزاب نُفذ وطبق على أرض الواقع ، تعالوا نرصد النتائج ، لكن قبل ذلك لابد من الاعتراف أن الاحزاب هي نمط تفكير أفقي يأخذ بعين الاعتبار مصالح مجموعة واسعة من الناس بغض النظر عن هويتهم أو إنتمائهم العرقي او الديني او القبلي على امتداد وطن كامل ، وحتى يحصل ذلك نحن بحاجة الى بيئة سياسية حرة ومصالح مشتركة تُكَوِن تحالفات على اهداف محددة ، وهذا حتى الان غير موجود ، إذاً لو قررت اللجنة كوتة للاحزاب فستكون النتائج كالتالي ، فالمكونات الجاهزة لإنتاج تحالف فوري هي ، تجمع المال الفاسد و الايديولوجيا والتجمعات الفئوية ، ففي اليوم التالي لصدور القرار او القانون ستقوم التيارات ذات الطبيعة الايدلوجية بتكوين احزابها الخاصة ، وستفعل التجمعات الفئوية نفس الشيء وسيحدث نفس الأمر بالنسبة لتجمعات رجال المال الملوث ، وهذه الاطارات هي إطارات عمودية لا تتناسب مع ما تدعيه اللجنة وتسعى لمحاربته ، بل ستحول هذه الصيغ الى الاطار المؤسسي وفِي إطار قانون إصلاحي ، فبدل أن ينجح المرشح كممثل لفئة او مجموعة مغلقة بعينها ، سينجح بموجب قانون الاصلاح تحت غطاء الحزب ولكن نمط التفكير هو نفسه لم يتغير .
لنأتي الى الشباب ، تريد اللجنة من الشباب ان يصلوا المواقع السياسية في أسرع وقت وهذا ممتاز جداً ، لكن لنقراء حال الشباب في بلدنا ، ففي جلهم لم يتم تأهيلهم على أسس مؤسساتية سواء حزبية او غيرها ، وهم في غالبيتهم على مقاعد الدرس أو يعدون العدة لمستقبلهم المالي والعائلي وفي أغلبهم عاطلون عن العمل ، لو قررت اللجنة أنه يحق للشاب الترشح في سن ١٨ الى ٢٥ ، مالذي سيحصل ؟ فئة محدودة هم إما أبناء الذوات أو ميسوري الحال ولأقل الاغنياء من يستطيع الترشح لهكذا مهمة تقتضي التفرغ وتوفر المال في نفس الوقت ، ماذا يعني ذلك ؟ بإختصار أن القانون المقترح سيرهن مستقبل الاردنين السياسي ويحدد قياداتهم المستقبلية في إطار نخبة ضيقة ومحدودة من أصحاب المال والنفوذ وبالتالي إعادة توريث المناصب والمواقع السياسية في إطار تلك النخبة ذاتها ولكن هذه المرة في إطار مُدعى انه ديمقراطي .
أما النساء فإطار العمل النسوي لا يزال مقصوراً على بعض الشخصيات النسائية ممن أستطعن أن يتبنين قضايا وطن وليس لأنهن نساء ، ففكرة أن تكون المراءة ممثلة لأنها إمرأة هذا ينقص من قيمتها ومكانتها ، فهي يجب أن تكون ممثلة ليس على أساس جندري بل لأنها تمثل قضايا المجتمع وتريد أن تتمثل على أساسها ، حتى الان الصيغة التي تطرحها اللجنة هي معيبة بحق المراءة ولا تتناسب مع دورها المأمول كفاعل اجتماعي لا كعالة سياسية .
ما يستفز أنك حينما تتابع البعض وهو يتحدث عن مفاهيم الاصلاح التي يُفترض أن تتبناها اللجنة وتطرحها تكتشف بدون تردد أن هناك خواء فكري وذهني عن الماهية التي يجب أن يكون عليها الاصلاح وهذا شيء مخيف لإنعكاساته السلبية على المستقبل ، للأسف كان الاصلاح هدفاً سعى إليه كل أردني يؤمن بأن البلد سيصبح أفضل حينما يشارك أبنائه في صناعة القرار ، لكن المؤلم أن يتم الألتفاف على حلمهم هذا بإنتاج إصلاح مقنن على مقاس نخبة معينة الغاية الوحيدة هي إعادة تدوير صناعة القرار بيد نفس النخبة لكن هذه المرة في إطار مُدعى أنه ديمقراطي ، ويبقى حلم الاردنيين بدولة ديمقراطية يتوه متسكعاً في أروقة الفنادق الفخمة تتأبطه مجموعة من سماسرة المؤتمرات وتجار الحرية والباحثين عن شيء وحيد مصالحهم ومستقبلهم السياسي ، أما المواطن المعني بالاصلاح فمطلوب منه شيء واحد هو أن يصفق للنتائج ويهتف للقادة الجدد وهو يعلم أنهم هم أنفسهم لم ولن يتغيروا وإن تغيرت الطريقة والاسلوب ، لكن ما يجب أخذه بعين الاعتبار أن الاستمرار في الإلتفاف على ألإصلاح بهذه الطريقة لن يقود إلا إلى نتيجة وحيدة وهي أن يسلك المجتمع طريقه الخاص للإصلاح حينها لا يمكن ضمان النتائج أو توقع المخاطر المترتبة عن السير في هكذا طريق .