تعرف تماماً اختلافي الكبير معك في القضايا السياسية, لكنني أودك أن تعرف استعدادي للقيام بأي شيئ دفاعاً عن حريتك وحقك في اعتناق أية أفكار تعتقد بصوابها, ولهذا فانني عند كل مساء, حين تأوي العصافير إلى أعشاشها, ويسقط قرص الشمس خلف الهضاب البعيدة.. وعند كل صباح تستيقظ فيه رائحة الياسمين وتخرج أرغفة الخبز الساخنة من التنور, أناديك من أعمق نقطة في مشاعري وأصرخ بكل ما في حنجرتي من ألم ياعلي, وأنت تحمل اسم الشهيد الهاشمي المقتول بسيوف الباحثين عن الدنيا, وتعيش اليوم قريباً من مثوى أخيه جعفر المبشر بجناحين يطير بهما في الجنة, ولاتملك مع كل ذلك إلا الخوف, وأنت تتوارى عن أنظار مطارديك الباحثين عنك في الحانات والمقاهي, والذين يفتشون عنك على الارصفة التي اعتادت خطواتك المترنحة أواخر ليالي الضنك والبؤس والغربة والحنين, وعيونهم تحاصر شبابيك بيتك الصغير الذي اعتدت أن تملأه بالحنان والمحبة, والذي كنت منه تفاجئنا بكتاباتك التي تنتزع من شفاهنا الابتسامة المرة وهي ذات الكتابات المدافعة عن ما تراه حق مواطنيك العراقيين في الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة.
يا علي يا صديقي الذي أفتش عنه منذ أيام, والاصح منذ عرفت أنك مهدد بالترحيل من ربة عمون التي تهوى, بودي أن أنضم اليك لنكون مطاردين معاً, لانني أعرف أن وزير داخليتنا وهو الشيخ ابن الشيخ لن يرفض إجارتي لك, على ما فيها من عنت تحمل عربدتك الجميلة, وأقرأ عند كل لحظة وعدك لي المكتوب بخط يدك على واحد من كتبك المهداة الي, بانك لن تذهب إلى المخفر ثانية , وعلى حد علمي أنك لم تفعل ذلك مؤخراً, لكن المخفر هو الذي يأتي اليك اليوم مدججاً بقرار إبعادك عن وطن الهاشميين الذين ما عرف التاريخ أنهم تخلوا عن من يلوذ بحماهم, ولا سلموا مستجيراً بشهامتهم وكرم وفادتهم, وأتذكر في هذا المجال أن زعيماً عربياً كان أعلن في خطاب عام بداية ثمانينات القرن الماضي أن الراحل الحسين رفض عرضاً منه لتسليمه معارضي نظام حكمه المقيمين في الاردن مقابل أن يسلمه المعارضين الاردنيين المقيمين في بلده مع أن معظمهم ينتمون إلى الحزب الذي يحكم باسمه, والمؤسف أن القرار منسوب إلى إبن عشيرة بني خالد الكريمة التي تعرف وتعلم الناس معنى إجارة الملهوف والمستغيث, ولو كنت مكانك لسافرت إلى حوشا وناديت على مدى الصحراء مستغيثاً بروح الشيخ النبيل سعود القاضي ويقيني أنه سيهتز في قبره مستجيباً للنداء.
لست أدري إن كان صاحب قرار ترحيلك يعرف أو يحب شاعر الاردن الكبير والجميل عرار, وإن كان قرأ له بيت الشعر القائل :
فالكأسُ لولا اليأسُ ما هشَّت لهُ
كَبدٌ ولا حَدَبتْ عَلَيْهِ يدانِ
لكنني أدري أن لجوء من هو في مثل حالتك إلى الكأس حد الثمالة, ليس نابعاً عن إدمان الكحول, بقدر ما هو ناجم عن إدمان الشوق إلى بغداد, ويقيني أنك لو كنت فيها تمر مساء على " شواطي دجلة " لما كنت مظطراً لشرب أكثر من كأس واحدة, تبل بها ريقك وأنت تلتهم سمكة طازجة أنضجها لهيب الحطب, وتمد رجليك في أحد مطاعم شارع أبي نؤاس إلى النهر, لترتاح من تعب النهار, بينما أنت في ربة عمون متعب من قلة العمل وغياب النهر وتلجأ إلى الكأس لتنسى بغدادك أو تستحضرها عند غيابها ولو لحظة واحده.
يا علي السوداني.. قلبي معك.
hmubaydeen@gmail.com