لا نريد نائب خدمات، كما نريد الخروج من دائرة الصوت الواحد أو ما يشابهه، ونريد كتلاً نيابية تقوم على أسس حقيقية صلبة تجمعها برامج عمل واضحة المعالم والأهداف تتواصل مع الشعب فيما يعنيه من قضايا ويخدم عيشه، هذه مجمل المطالب الشعبية منذ زمن، ومهما تباينت الطروحات فإنها لا تخرج عن الدائرة أعلاه.
كل تلك الشكايات الحقيقية مرصودة ويعبّر عنها الواقع الذي نعيش، وليس في ذلك انتقاد للمجالس النيابية بل إن أعضاءها يبذلون جُلّ ما في وسعهم ضمن الأدوات المتاحة، لكنها -الأدوات- فرديّة الطابع ابتداء من الترشح وانتهاء بالدور الذي يمارسه النائب تحت القبة، فمهما توافق النواب على التكتّل داخل المجلس لن تصل تلك التحالفات إلى المرجوّ منها وعلّة ذلك غياب الرؤى المشتركة والمصالح النابعة منها والأهداف المبنية عليها، تماماً كما أظهرت التجربة، وما من مخرج يسعفنا سوى العمل الجماعيّ الحقيقي كتلوي الطابع، واللاصق لكل ما سبق أو برنامج معد مسبقاً يجمع أطراف الكتلة، ونتحدث هنا عن إطار أوحد وهو الأحزاب البرامجية.
وعليه؛ فصّلت المادة (١٦) من الدستور لكلّ جهة من جهات المجتمع المدنيّ دورها ورسّمت الحدود بين كلٍّ منها، فهناك النقابات التي يجتمع أفرادها على أساسٍ مهنيّ، والجمعيات التي تتبنّى أعمال البِرّ والخير، والأحزاب ذات البعد السياسيّ التي لا يشاركها غيرها ممّن سبق ذكره في أسباب الوجود والغايات، وتبعاً لهذا منحت المادة ذات الطابع الدستوري الأسمى الشخصية الاعتبارية الكاملة لكل من ورد فيها.
اليوم، نوشك على تغيير إعدادات المشهد السياسي لتنصرف النقابات إلى تجويد أدائها وخدمة منتسبيها، وليكون ممثل الخدمة المحلّيّة صاحب اختصاص حصريّ في ميدانه، ويتفرغ النائب لعمله التشريعي والرقابي الجماعيّ الذي يجعل من الرقابة الشعبية أمراً ممكناً نظراً لكون البرنامج الحزبي هو العامل المشترك الذي يتم من خلاله ارتباط المرشح بالمجموعة، و على أساسه يقع اختيار الناخب أوّلاً ومحاسبته للنائب ثانياً، وهذا غير متوافر في واقعنا بصيغته الحالية الفردية، أي أننا نسعى لتعزيز مبدأ الشعب مصدر السُّلُطات، هو صاحب الخَيار والمُقَام والمُراقب.
نحن اليوم أمام استحقاق وطنيّ تاريخي، فالدولة بحاجة للتحديث في بنيتها بعد مئة عام من البناء، وإن هذا ليستدعي الخروج من صندوق الأفكار المُجرَّبة والوسائل التقليدية التي لم تعُد تنفع ولا تُرضي، ولا بدّ لهذا التحديث من استبعاد كلاسيكيات سائدة ومُجرّبة بأُخرى رشيقة متقدمة جامعة منتجة ذات أثر ملموس، إن كان على صعيد العمل الحزبي أو الواقع الانتخابي، فالمطلوب لن يتحقّق مهما طال الزّمن ما لم تتغير آليّات الوصول إليه ومعطياتها.
(الرأي)