ابتداء فإنني سأورد مثلا حيا على كيفية النهوض بالاوطان وهو تجربة ذلك البلد الصغير سنغافورة.
بلد صغير جدا لا تتعدى مساحته ٧٢٠ كيلو مترا مربعا وعدد سكانه لا يتجاوز ٥.٥ مليون نسمة وفي أساسه بلد متخلف فقير مليء بالمستنقعات شحيح الموارد يعاني من تعدد العرقيات والديانات لا يتجاوز دخل الفرد فيه ثلاثماية دولار خضع للاستعمار البريطاني لفترة طويلة.
وبعد ذلك وفي بداية ستينيات القرن الماضي قيض الله له رجلا عفيفا شريفا متعلما ذا رؤية ثاقبة وعزيمة وإصرار الا وهو رئيس الوزراء لي كوان يو الذي احب بلده واخلص اليه في أحلك الظروف فنقله من بلد متخلف إلى مصاف الدول المتقدمة وأصبح دخل الفرد فيه يتجاوز ستين الف دولار.
بدا لي كوان في تطوير التعليم والاهتمام بالمعلمين وتدريبهم وتأهيلهم وحول التعليم من حشو للمعلومات إلى التحليل والاستنتاج والفهم ورفع رواتب المعلمين ثم سن القوانين الصارمة اللازمة للنهوض بالبلد وفرض عقوبات صارمة تصل إلى حد الإعدام والضرب بالعصا والحبس لكل من يخالف القانون دون تمييز او محاباة لاحد وحارب الفساد بشدة وقضى على الفاسدين بعد أن أحاط نفسه بحاشية نزيهة قوية كفؤه مخلصة ساعدته في عمله.
ومن ثم قام بتطوير الموارد البشرية واختيار من هم اكفياء ونزيهون لتقلد المناصب الإدارية والتنفيذية وعمل على ارساء العدالة الاجتماعية بعيدا عن الاديان والاعراق والاجناس واللغة وجعل اللغة الانجليزية هي اللغة الرسمية لبلاده وأرسل الطلبة المتفوقين في بعثات تعليمية إلى الدول المتقدمة وبعثات تدريبية ايضا.
ركز تركيزا كبيرا على الصناعة والسياحة وشجع الاستثمار وقدم التسهيلات اللازمة له حتى استثمرت فيه دول عدة ادت إلى تطوير الصناعة مثل صناعة السفن والاجهزة الكهربائية والالكترونيات وطور الموانىء حتى أصبحت معظم تجارة العالم تستخدم تلك الموانىء وأصبح مطار سنغافورة مثل خلية النحل وتحول البلد من بلد يفتقر إلى النظافة إلى بلد يعج بالنظافة والجمال.
بهذا الموجز البسيط عن تطور سنغافرة يتضح جليا ان التطوير يحتاج إلى قائد ملهم كفؤ نزيه مخلص لوطنه يملك ارادة التغيير مواظب على العمل ويحيط به فريق كفؤ نزيه يعملون لمصلحة الوطن بعيدا عن المحسوبية والواسطة والمصلحة الضيقة وقوانين صارمة توقع أشد العقوبات بالمخالفين دون محاباة او تمييز وعدالة اجتماعية وتعليم متطور وتسهيلات للمستثمرين.
هل نحن في العالم العربي نمتلك الارادة لصناعة التقدم ام اننا سنبقى نراوح مكاننا حرصا على مصالحنا الضيقة.