أتذكر لحيتي الخفيفة غير الممتلئة من الجانبين ، وكيف أطلقتها اهمالاً ومباهاة ، وأتذكر سلطان النوم الذي تلبسني في فترة الامتحانات من دون سنوات العمر. وأسترجع ذلك الاستنفار الذي دب فينا بعد أن أعلن أبي الأحكام العرفية في البيت: لا أغاني لأم كلثوم ، ولا قراءة روايات ، ولا أشعار للمتنبي ونزار ، ولا كتابة قصائد خجلى في الدفتر الأحمر ، ولا شطرنج ولا أصدقاء ينتظرون في دكانة الحارة ، كي ننفث همومنا بسجائر نشتريها فرطاً ، مع حبة علكة نعناع: كي نخفي آثار جريمتنا: إن عدنا للبيت متسلين من شق الباب.
وأتذكر مهمة الأخوة ، في الدعم اللوجستي بالسندويشات السمينة وفناجين القهوة كل حين ، وسهر أمي الطيبة ما دام مصباح غرفتي ساهراً ، وكيف كانت تغتاظ وتشتم التوجيهي كلما (عصلج) في رأسي سؤال رياضيات ، أو كلما أطلقت تنهيدة حرى متسائلاً عن نهاية هذا السنة (ملعونة الحرسي). ثم أتذكر عناء أمي ، في إيقاظي في غرة الفجر: فقبلة طويلة على يد كل أمهاتنا الرائعات اللواتي كدحنا لأجلنا: بكل قلق الممتحنين وكدحهم.
لم تتغير صورة طالب التوجيهي كثيراً في بلدنا ، حتى بعد مرور عشرين عاما على بعض هذه الذكريات ، ولهذا كلما دخل الطلبة قاعات امتحاناتهم: أتذكر ذلك القلق والخوف والرهبة التي تخيم على بيوتنا وتحتلها وتحيلها وترا مشدودا: ففي بيتنا طالب (توجيعي) ، هكذا ببساطة يسمي البعض الثانوية العامة. مع أن التوجيهي في رأي البعض صار أبسط في ضوء الكثير من التسهيلات. ولكن القلق هو القلق،.
في استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الإستراتجية في الجامعة الأردنية قبل سنتين بطلب من وزارة التربية والتعليم على طلبة الثانوية العامة كانت نتائجه أن %40 منهم يؤيدون إلغاء امتحان الثانوية العامة فيما أيد %64 منهم الاستعاضة عنه بامتحان قبول تنظمه الجامعات.
كان من المقرر أن يعقد مؤتمر تربوي شامل لبحث إشكالية التوجيهي وبدائله ، لكن يبدو أن الإرهاصات الأخيرة التي مرت بها الأسرة التربوية ألغت هذا المؤتمر الذي عولنا عليه الكثير. وهنا أرجو أن أعود لأذكر بالاقتراحات الهامة التي قدمها الخبير التربوي الأستاذ حسني عايش للوزارة بهذا الشأن وبقيت طي الأدراج.
أتمنى من جديد أن يعاد طرح موضوع التوجيهي بشكل جدي لتغييره أو تعديله ، فلربما نخفف من حدة التوتر المزمن الذي يعانيه الطالب وأهله ، ولربما نخفف من مظاهرنا الاحتفالية المزعجة ، التي تلازم إعلان النتائج.
نريده مشروعاً عصرياً ملائما لكل هذا التوسع المعرفي الذي نحياه في عالم مفتوح على مصراعيه.
ramzi279@hotmail.com
(الدستور)