هل أساء مسلسل "مدرسة الروابي .. " للأردن؟
د. موسى برهومة
15-08-2021 04:19 PM
عيناي على الشاشة، ويدي على قلبي. هكذا كان حالي وأنا أتابع الحلقات الخمس للمسلسل الأردني "مدرسة الروابي للبنات" الذي عرضته شبكة "نتفليكس".
وبعد انتهاء المسلسل، ظلّت يدي على قلبي، لخشيتي أن يتم اختطاف هذا العمل الناجح بفعل الحملة المضادة التي يتعرّض لها، وسيبقى، من قبل جهات تريد أن تحبس الأردن في صورة المسلسلات البدوية (وغالبيتها سقيم)، ولا تريد أن تقدّم صورة حضارية عن عمّان ومجتمعها، كما لا ترغب في أن ترى دراما متمدّنة بأدوات عصرية تُحاكي ما وصل إليه هذا الفنّ من قمم شاهقة في العالم، فلماذا لا نكون مثلهم، ولا لماذا لا نجرّب وننافس؟
المسلسل، إجمالاً، نجح في تخطي عدة مآزق في المعالجة الدرامية، وقدّم أفكاره عن التنمّر المدرسيّ، والتحرّش الجنسيّ، والسلطة في العائلة والمجتمع، والتخلف الذكوريّ، والفساد في هيئات التعليم، وسوى ذلك من مشكلات يمكن أن يقدّمها أي مسلسل. فما الذي اختلف مع المخرجة تيما الشوملي؟
تيما، القادمة من الحقل نفسه، والأصيلة فيه، وغير المتطفّلة عليه، لعبت "لعبة نتفليكس" بكل احتراف، فقدّمت ما يلزم من "بهارات" من أجل الآكشن واشتراطات السوق والترويج، لكنها ظلت مسيطرة على حركة الممثلات اللواتي أبدعن وقدمن أداء مبهراً أعاد إليّ الأمل بانبثاق عهد دراما أردنيّ جديد متحلّل من العُقد والرهانات الجوفاء على أننا "مجتمع محافظ، ولدينا تقاليد وعادات وقيم" إلى آخر هذا المعزوفة المشروخة التي سمعتها منذ أول عملي في الصحافة قبل زهاء أربعين عاماً.
كتابة النص، التي أنجزته تيما برفقة إسلام الشوملي وشيرين كمال، لم يسقط في الإسفاف، وكانت فيه ذرى عالية من التحليق، وكانت له بعض الهنات التي لا بد أن ترافق أية تجربة أولى محفوفة بالمخاوف والمخاطر وظروف كورونا. النص اعتمد على ثنائية الطيب والشرير، واضطر في بعض الأحيان للتبسيطية، وتقديم ما هو معروف ومتوقع، لكنه لم يكن نصاً ساذجاً، وجاءت اللهجة في المسلسل لمنح النص والعمل دفقة جمالية عالية، جعلتني أنا ابن عمّان أشعر بالتناغم والقرابة والألفة، فلقد رأيت فيه زوجتي وابنتي وأبنائي وأصدقاءهم وصديقاتهم، ورأيت عمّان الجميلة، التي يعمل بعضهم بلا هوادة، على حجب وجهها البهيّ.
أحيّي تيما الشوملي الشجاعة، وأدعوها أن تستمر و"يا جبل ما يهزّك ريح"، وأحيي ممثلاتها الشابات الواثقات الخطى: ركين سعد، أندريا طايع، نور طاهر، جوانا عريضة، سلسبيلا، يارا مصطفى (وكل الكومبارس)، والتحية للفريق الفني في التصوير والموسيقى والمؤثرات الفنية والبصرية، ما أسهم في إنتاج مسلسل أردني بمواصفات عالمية. فالمسلسل يُعرض مترجماً إلى أكثر من 32 لغة في 190 دولة حول العالم.
ولا بد من تحية الجيل الباني الذي دعم المسلسل وظهر (كثيراً أو قليلاً) ليحمي التجربة: نادرة عمران، رشيد ملحس، سهير فهد، نبيل كوني، عاكف نجم، ديانا رحمة، والمبدعة التي قدمت دوراً يليق بتاريخها: ريم سعادة.
لا تتوقفن يا فتيات الروابي، وابقينَ في الآفاق لامعات.
*أستاذ الإعلام في الجامعة الأمريكية في دبي