حل الدولتين وحل الدولة الواحدة والدولة الكنفدرالية 2
اللواء المتقاعد مروان العمد
15-08-2021 10:41 AM
تحدثت في القسم الاول من هذه المقالة عن بعض الحلول التي كان يتم تداولها والحديث عنها للقضية الفلسطينية منذ عام ١٩٦٧ وحتى الآن . وخاصة من قبل الادارة الاميركية ، وقلت ان احد هذه الحلول كان يطفوا على السطح بين الحين والآخر ، ثم ما يلبث وان يختفي ليصبح الحديث عن حل آخر . وخاصة مع تعاقب الادارتين الديمقراطية والجمهورية . علماً ان الحديث عن هذه الحلول كان على الاغلب حديث عام مشروط بموافقة الطرفين . وبما ان الكيان الصهيوني يرفض اي حل يتضمن تواجد كيان فلسطيني الى جواره مهما كان هزيلاً ، فأن هذا يعني ان اياً من هذه الحلول لم يكن قابلاً للتطبيق ، وان الامر لم يكن الى استهلاكاً للوقت لفرض امر واقع على الارض كان الكيان الصهيوني يعمل على تطبيقه . ولكني قلت ان الادارة الجمهورية السابقة بزعامة ترامب تبنت وبشكل علني حل الدولة الواحدة ومن وجهة النظر الصهيونية ، وان لا دولة غربي النهر الا لهذا الكيان ، ولم تولي الجانب الفلسطيني اي اهتمام ، بل تصرفت بالنيابة عنه بتقديم الهدايا والتنازلات لهذا الكيان على حسابه والى درجة ان اصبح تطبيق هذه الخطة من الامور المستحيلة وخاصة لمعارضة الموقفين الاردني والفلسطيني له بالاضافة الى الكثير من دول العالم وعلى رأسها دول الاتحاد الاوروبي . ولهذا فقد عمل الحزب الديمقراطي على الاستفادة من هذا الوضع للعودة للحديث عن حل الدولتين ، وعن عزمه التراجع عن بعض القرارات التي كان ترامب قد اتخذها في هذا المجال .
وعندما انتصرت الادارة الديمقراطية بزعامة بايدن في الانتخابات ، كان يفترض التراجع عن حل الدولة الواحدة ، وما تبقى من صفقة القرن والعوده لحل الدولتين .
ولكن الذي حدث ان الادارة الديمقراطية اعطت الاولوية لمعالجة الخلل الذي احدثته ادارة ترامب ما بين اميركا ودول العالم اجمع ، بالاضافة الى معالجة الملف الايراني النووي والملف الروسي والملف الصيني ، بالاضافة الى تطبيق سياسات جديدة للتصدي لوباء كورونا عن السياسات التي كان يتبعها ترامب بمواجهة هذه الجائحة . مما جعل حل القضية الفلسطينية يفقد اهميته وزخمه ويتراجع للصفوف الخلفية . حيث لم تقم هذه الادارة باتخاذ اي خطوات في هذا السبيل الا القول انها تدعم حل الدولتين وبموافقة ورضى الطرفين . وبنفس الوقت لم تقم بأي خطوات جادة لالغاء الكثير من القرارات احادية الجانب التي اتخذتها ادارة ترامب مثل الاعتراف بالقدس عاصمة تاريخية وابدية وموحدة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الامريكية للقدس . واعتبرت ان تلك خطوات قد تمت ولا يمكن الرجوع عنها . كما ان هذه الادارة لم يصدر منها ما يشير الى رفض التقسيم الذي اتفق عليه ترامب مع نتنياهو للاراضي الفلسطينية انما تركت هذا الامر للمفاوضات المستقبلية بينهما ، وكذلك الامر بالنسبة لاعتراف الادارة الامريكية بسيادة الدولة الصهيونية على مرتفعات الجولان المحتلة تحت بند الامر الواقع . وان اعلنت انها سوف تعيد فتح قنصليتها في القدس الشرقية ، وسوف تعيد فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية لدى واشنطن ، واستئناف تقديم المساعدات لوكالة غوث وتشغيل الفلسطينين ( الاونروا ) . كمل صرح المبعوث الامريكي لدى الامم المتحدة ريتشارد ميلز بأن ادارة بايدن سوف تعمل على تفعيل المساعدات للفلسطينيين التي علقتها ادارة ترامب وخاصة في الجوانب الانسانية . وان بايدن وجه ادارته لاستعادة التواصل الامريكي مع الفلسطينيين والاسرائيليين بما يشمل احياء العلاقات مع القيادة والشعب الفلسطيني .
الا ان كل هذه الإجراءات لم تخرج عن نطاق العمل الاعلامي والعلاقات العامة ، وانها مرشحة لان تعود الى الادراج المغلقة ، واجتماعات مجلس الامن والجمعية العمومية للامم المتحدة . لذا فقد وجدت الاطراف التي لها علاقة بهذه القضية انه لا بد من وجود عامل محرك يخرج القضية من حالة الجمود التي هي عليه ، مع ملاحظة ان كل طرف كانت له مصالح واهدافاً خاصة يسعى الى تحقيقها من وراء هذه العملية التحريكية .
فمن ناحية نتنياهو فقد كان حزبه قد حصل على اكبر عدد من المقاعد في اربع انتخابات كنيست في اقل من عامين الا ان لم يتمكن من تحقيق الاغلبية التي تؤهله لتشكيل الحكومة . وكان لا يزال يحلم بتنفيذ صفقة القرن التي عمل عليها مع ترامب ودفع الادارة الامريكية الحالية الى تبنيها ، وكان خصومه على وشك تشكيل حكومة من دونه مما سوف يرفع عنه الغطاء القانوني من الملاحقات القضائية بعدة قضايا فساد . لذلك كان بحاجة لان يغير المعادلة على الارض ولو كان عن طريق مغامرة غير مضمونة . ولذا فقد اخذ يقدم الدعم للمستوطنين اليهود في عمليات اقتحاماتهم لساحات المسجد الاقصى حيث يدّعون بوجود هيكلهم المزعوم . كما اخذ يدعم المستوطنين في عملياتهم للاستيلاء على املاك الفلسطينيين ، وخاصة المقدسيين . على امل ان يجر ذلك الى صدام مع الفلسطينيين قد يعرقل خطط خصومه لتشكيل الحكومة او تزيد من فرص فوزه بعدد اكبر من الاصوات في انتخابات خامسة تمكنه من تشكيل الحكومة .
وعلى الجانب الآخر الفلسطيني فقد كانت الانتخابات التشريعية تشغل الفصائل الفلسطينية ، حيث ان سيطرة حماس كانت مضمونة في غزة ، اما في الضفة الغربية فقد اضعفت الانقسامات بين صفوف حركة فتح فرص جميع الاطراف فيها بالفوز في الانتخابات . وعندما احس محمود عباس بضعف فرص قائمته بالفوز فقد قرر تأجيل الانتخابات بحجة رفض اجراءها في القدس من قبل السلطات الصهيونية . وفي محاولة من الاطراف الفلسطينية لدفع الادارة الامريكية لاعطاء قضيتهم اولويتها في الحل ، ولتحسين موقعها وشعبيتها بين المواطنين ، فقد حشدت قوتها للتصدي للمتطرفين اليهود الذين يقتحمون المسجد الاقصى والذين كانوا يقتحمونها ايضاً من عشرات السنين . وفي التصدي لمحاولات المستوطنين الصهاينة للاستيلاء على المزيد من منازل الفلسطينيين وخاصة في حي الشيخ جراح رغم ان هذه المحاولات تعود ايضاً لعشرات السنين .
اما حركة حماس والتي تسعى هي ايضاً للسيطرة على الضفة الغربية كما قطاع غزة فقد وجدت في تلك الاحداث فرصتها لتصبح هي الرقم الصعب وتفرض وجودها امام الادارة الامريكية والكيان الصهيوني . فقامت باستخدام سلاحها ونقطة قوتها الصواريخ في ضرب اهداف مدنية صهيونية وبشدة غير معهودة ، بالرغم من انها لم تفعل ذلك سابقًا لهذا السبب . مع عدم انكار دورها في التصدي الصاروخي للعمليات العسكرية الصهيونية السابقة .
وكانت هذه هي الورقة التي ينتظرها نتنياهو ليلعب لعبته بها ، فقام بعمليات قصف همجي ووحشي على اهداف مدنية على الاغلب في قطاع غزة لمدة احد عشر يوما انتهت بإعلان وقف القصف من طرف واحد ومن غير شروط مسبقة ، قابله الجانب الفلسطيني بوقف مماثل ، مع التهديد بالعودة للقصف في حال عودة الاقتحامات في الاقصى وعمليات الاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين . واقيمت على اثر ذلك احتفالات النصر بالضفة الغربية وقطاع غزة . وعادت عربات الصواريخ الحمساوية لتستعرض من جديد في شوارع غزة لاثبات ان هذا السلاح لايزال موجودا ولم يدمر او ربما لم يستهدف .
وبعد ان سكتت أصوت الصواريخ وازيز الطائرات ، ادرك منافسوا نتنياهو خطورة الوضع ، وقاموا بتشكيل أئتلاف يجمع اقصى اليمن السياسي والديني مع اقصى اليسار الصهيوني وبعض احزاب الوسط وجميع من يعارضون نتنياهو ، حتى انهم ارتضوا لانفسهم ان يضعوا يدهم بيد الحركة الاسلامية في الداخل / الشق الجنوبي والقريبة بافكارها من حركة الاخوان المسلمين والمنشقة عنها وامينها العام منصور عباس ، والذي كان قد خاض انتخابات عام ٢٠٢١ باسم القائمة العربية الموحدة ، بعد ان كان قد انشق عن القائمة الفلسطينية المشتركة . وفازت حركته باربعة مقاعد قي الكنيست امنت لهذا التحالف تشكيل الحكومة الجديدة باغلبية واحد وستين عضواً ، وعلى نظام التناوب ما بين اليميني المتطرف نفتالي بينيت زعيم حزب يمينا ، ويائير لابيد زعيم حزب هناك مستقبل . وهو أئتلاف هش من الممكن ان ينهار في اي لحظة من اللحظات . والذي يسعى الى التقرب من القيادة الامريكية الجديدة ولذا فقد قدم بعض التنازلات الجزئية للجانب الفلسطيني بناءً على طلبها .
اما على الجانب الفلسطيني فقد ادى ذلك الى تهاوي السلطة الفلسطينية وانهيارها وفقدانها شعبيتها على قلتها ، وخاصة بعد عملية مقتل المعارض الفلسطيني نزار بنات . فيما ارتفعت شعبية حركة حماس في الضفة الغربية الى درجة اصبح بامكانها الفوز وبسهولة في اي انتخابات تجري هناك ، مما سيتيح لها وضع قطاع غزة والضفة الغربية تحت سلطتها وسيطرتها . ( علماً ان صواريخها لم تطلق من جديد ، بالرغم من استمرار عمليات اقتحام الاقصى ، وزيادة وتيرة عمليات الاستيلاء على منازل المقدسين وامتداد هذه العمليات الى مناطق واحياء اخرى جديدة ) .
والاهم من ذلك الشعبية الواسعة التي اكتسبتها حركة حماس في الاردن حتى بين ابناء العشائر الاردنية ، والى درجة المطالبة بالاعتراف بها وفتح مكاتب لها في الاردن واستضافة قياديها فيه ، وذلك من منطلق الولاية الاسلامية والجهادية وهي الوحيدة التي من الممكن ان تتغلب على الولاية الاقليمية والعشائرية . وسوف يكون هناك عودة لهذا الامر في حلقة اخرى من هذا المقال.