التستر الأمريكي على ترسانة إسرائيل النووية
داود عمر داود
14-08-2021 07:47 PM
بدأت تتعالى في الولايات المتحدة مؤخراً، خاصة بعد مجيء إدارة جو بايدن، أصوات تطالب بوقف تستر الإدارات الأمريكية المتعاقبة على ترسانة إسرائيل النووية، ووجوب فضح برنامجها النووي، وإعلان حقيقته أمام الشعب الأمريكي والعالم. وفيما تلاحق واشنطن إيران على مفاعل لم يكتمل، تفرض عقوبات على كل من الهند، والباكستان، وكوريا الشمالية لإمتلاكها أسلحة نووية. وفي نفس الوقت تتغاضى، منذ عقود، عن إسرائيل التي ترفض التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ولا تقر بإمتلاك قنابل نووية.
تناقض الموقف الأمريكي:
تدعي واشنطن أن موقفها ضد برنامج إيران النووي قائم على أساس خشيتها من أن يتحول إلى إنتاج سلاح نووي، يُدخل الشرق الأوسط في سباق تسلح نووي. لكن هذا المنطق الأمريكي يبدو ضعيفاً كون إسرائيل تمتلك السلاح النووي أصلاً، فكيف لواشنطن أن تدعي أنها تسعى ليكون الشرق الأوسط خاليا من الأسلحة النووية وإسرائيل تمتلكها؟ إلا إذا كانت تريد أن تنفرد إسرائيل بها. هذا المنطق المخادع لم يساعد واشنطن في مفاوضاتها وأربك موقفها، وألصق بها تهمة إزدواجية المعايير، وقوض مصداقيتها بأنها غير ملتزمة بمنع انتشار السلاح النووي،
البرنامج النووي الإسرائيلي:
يعود البرنامج النووي الإسرائيلي إلى مطلع خمسينيات القرن الماضي حين أقامت مفاعلها النووي الأول، في ديمونا، بمساعدة من فرنسا. وتمكنت من إنتاج أولى قنابلها النووية في نهاية الستينيات. وقد أجرت إسرائيل إختباراً نووياً، عام 1979، في جزيرة الأمير إدوارد في المحيط الهندي، المملوكة لجنوب إفريقيا، وقد تسترت عليها إدارة الرئيس كارتر، مما يؤكد النفاق الأمريكي. وفي منتصف الثمانينيات كشف أحد العاملين في مفاعل ديمونا، مردخاي فعنونو، بالوثائق تفاصيل برنامج إنتاج السلاح النووي الإسرائيلي. ويقَدر معهد ستوكهولم الدولي أن إسرائيل تمتلك 80 رأساً نووياً بالإمكان إيصالها إلى الهدف بالصواريخ الباليستية أو الطائرات. وتمتلك إسرائيل 9 مفاعلات نووية، منتشرة في أنحاء فلسطين المحتلة.
خديعة التستر الأمريكي:
يعود التستر الأمريكي على البرنامج النووي الإسرائيلي إلى بداية المشروع. فقد قدمت إدارة أيزنهاور المعلومات الأساسية التي تم الإستناد إليها. كما كان ديفيد بن غوريون، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، يدعي أمام الرئيس جون كنيدي بأن المفاعل الإسرائيلي (كان للأغراض السلمية فقط). وحين أرسلت أمريكا مفتشين تحايل عليهم الإسرائيليون بأن بنوا جدراناً أخفت المصاعد التي كانت تؤدي إلى مصنع معالجة المواد النووية تحت الأرض. كما اتفق الرئيس نيكسون اتفق ضمنياً مع غولدا مائير، على أن يتكتم الجانبان حول إمتلاك إسرائيل أسلحة نووية، وأن تلتزم أمريكا بعدم الضغط على إسرائيل كي يخضع برنامجها النووي للرقابة الدولية. ولذلك فقد مارس الرؤساء الأمريكيون خديعة كبرى، منذ أكثر من خمسة عقود، عندما إدعوا أنهم يريدون إبقاء الشرق الأوسط خالياً من السلاح النووي، في وقت هم يعلمون فيه علم اليقين أن إسرائيل تمتلك ترسانة منه.
مطالبات بنزع سلاح إسرائيل النووي:
وهناك مطالبات عديدة بفضح التستر الأمريكي ونزع سلاح إسرائيل النووي. فقد دعا الزعيم الإفريقي ديزموند توتو، كبير أساقفة جنوب إفريقيا السابق والحائز على جائزة نوبل للسلام، الولايات المتحدة إلى عدم التستر على الأسلحة النووية الإسرائيلية. وطالب الرئيس بايدن بوقف المساعدات المالية الضخمة إلى إسرائيل التي (يمارس القهر ضد الفلسطينيين). وطالب بنزع السلاح النووي الإسرائيلي. وهذا أيضاً ما طالبت به جامعة الدول العربية، خلال (مؤتمر نزع السلاح النووي في الشرق الأوسط) مؤخراً.
تركيا ترغب بدخول النادي النووي:
تدعو (معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية) إلى إلغاء السلاح النووي من العالم. وقد شهد عام 1968 بدء التوقيع عليها، حيث وقع كل من الإتحاد السوفياتي السابق، وبريطانيا والولايات المتحدة. أما فرنسا والصين فقد وقعتا عام 1992. لكن هذه الدول الخمس الكبرى هي نفسها أول من خالف بنود المعاهدة بالإحتفاظ بأسلحتها النووية بل ومواصلة تطويرها. ولذلك فإن السلاح النووية الإسرائيلي، والتستر الأمريكي عليها، استفز تركيا التي أعلنت أنها تفكر في إمتلاك أسلحة نووية، بسبب مخاوفها الأمنية من إسرائيل، وخشيتها من فقدان تفوقها الإستراتيجي في المنطقة.
خلاصة القول: ضرب عصفورين بحجر واحد:
وعليه يبدو أن هذه الحملة الأمريكية الإعلامية ضد التستر على سلاح إسرائيل النووي، ملعوبة بدقة، ويراد منها ضرب عصفورين بحجر واحد. فمن جانب تريد إدارة بايدن أن تستعمل هذه الورقة لمزيد من الضغط على إسرائيل، في المسائل الخلافية العالقة بينهما، وأهمها قبول إسرائيل بحل الدولتين، ووقف تعاونها مع الصين. ومن جانب آخر تريد أن ترفع صوتها قليلاً في وجه إسرائيل، كي تُظهر نوعاً من الموضوعية الزائفة، التي ربما تخدمها في تليين موقف إيران للتوصل إلى إتفاق معها. وعموماً، هل نرى في قادم الأيام دولاً اخرى في المنطقة ترغب في إمتلاك السلاح النووي؟