يجب أن نُقِّرَ أن العادات و التقاليد تتغير و أن الوقوف بوجه هذا التغيير يخفتُ بالتدريج ليصبح قبولاً و لو كان القبول بمضاضة. العادات و التقاليد مثلها مثل الملابس التي نغيرها كل فترة لأننا كبرنا أو لأنها بَلَتْ أو لأنها لم تعدْ جديرةً بالزمن الجديد. و هناك تلاقٍ مرةً أو بونٌ شاسعٌ مرةً ثانيةً بين العادات و التقاليد و بين شَرْعِ العِّفةِ و مخافةَ الله. بعض عاداتنا و تقاليدنا من صلب الشرع و بعضها لا يمت للشرع بصلة. الفارق بين التزامنا بما يتلاقى و الشرع و ما هو عادةٌ خارجةٌ عنه يحدده نفاقنا و رغبتنا تطويع الشرع للزمن. هذه كانت و تبقى معضلة الأمم وما بُعِثَ الرسل و الأنبياء إلا ليفرقوا بين عادات و تقاليد و بين شرعٍ أُختتم بنبينا عليه الصلاة و السلام.
نفاق المجتمع ليواكب الزمان و تلبية الرغبة الغريزية غير المهتمة بآداب وتعاليم الشرع يرضى بالجديد من المتناقض مع العفة و يسميه حريةً و تقدماً و قد يعطيه مسمىً اقتصاديا لترويجه. يسمحُ هذا النفاق بقبول ما لم يكن يُقبلُ منذ سنوات. يقبلُ مثلاً بترويج المشروبات الروحية و يغلف هذه التجارة المحرمة بفتاوى تبيحها لغير المسلمين و قانونية فرض رسومٍ عليها تعود للخزينة. يقبلُ بالملاهي الليلية رغم معرفته بموبقاتها و لنفس السبب الاقتصادي. يقبلُ النفاق باسم الحرية أزياءَ و أخلاقَ ممجوجةً بل و بشعة و مُحرَّمة. يقبلُ النفاق من أجلِ الصداقةِ و الروابط العائلية و المجتمعية كسر و لَيَّ المحرمات و الموبقات مثل القتل و الحري و الاعتداء. القبول بها أو رفضها، و كل شيئٍ جديد، ما ينفعُ و ما يضر، يعودُ للتربية، و لكل قاعدة استثناء. التربية تقول للإنسان ما يقبل و ما يرفض فإن ربته على رفض السيئ فسيقاومه وإن تخلت التربية لصالح السيئ من القول والفعل فسيقبل به، و كيف لا و المجتمع يُشجعه و يأخذ بيده نحوه؟ نعم؛ المجتمع لأن مجتمعاتنا باتت مبنيةً بالسليقةِ على النفاق.
بالطبع، ليس كل من بالمجتمع منافق و لا كله صادق و كثيرٌ من أفراده مخلصون و أنقياء لكنهم غير قادرين أو مؤهلين لحمل المجتمع على قبول المدينة الفاضلة لأنها باختصار غير ممكنة! و لنا في سلسلة الرسل عبرة. و كل نفسٍ بما كسبت رهينة.
هكذا رد فعل المجتمع الأردني على مسلسلٍ جديدٍ أنتجته شركة نيتفليكس، و هو الثاني من نوعه. كثيرٌ يقول أنه ضد العادات و التقاليد و كثيرٌ معه. الواقع أنه ليس ضد العادات و التقاليد و هو تقليدٌ لمسلسلات أمريكية بنفس الرسالة و يتكرر بمدارسنا بين الطلبة، و يتكرر يومياً بين السائقين و رواد الأسواق. التنمر و المشاكسة و المسبات الجارحة باتت عادةً. الفرق هو أنه عُرِضَ على الملأ. مقاومة المسلسل هي بتغيير المجتمع الذي أفرزه و يفرزه.
لو حرص المجتمع بصدقٍ على العادات والتقاليد التي تتلاقى و العفة و الشرع الحنيف لرأينا الملائكة تمشي بيننا. لكننا لسنا كذلك و لن نكون. و لن أقول كفانا نفاقاً. فكل نفسٍ بما كسبت رهينة و سيأتي يومٌ لا ينفعُ مالٌ و لا بنون إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم و الله يسلم الجميع من النفاق و يهدينا للعادات والتقاليد الحميدة.