نحتاج “عشر سنوات” .. وربما أكثر
حسين الرواشدة
14-08-2021 01:17 AM
هل نحتاج الى عقد أو عقدين من الزمن حتى نصل الى “حكومات برلمانية”؟ هذا السؤال طرحه، ثم أجاب عنه، رئيس “لجنة تحديث المنظومة السياسية”، سمير الرفاعي، لكن أصداءه وردود الفعل عليه تباينت بين من يعتقد أن هذه المدة طويلة ومن يرى أننا فعلا نحتاج إليها، وربما أكثر، للعبور من “اكتمال” البنى الحزبية إلى البرلمان الممثل للمجتمع ثم الحكومة البرلمانية.
فكرة إعداد المجتمع لتدشين مرحلة “الانتقال الديمقراطي” ليست جديدة، فقد أطلقها الدكتور معروف البخيت خلال ندوة عقدت في البحر الميت (2006) وكان وقتها رئيسا للحكومة، آنذاك اقتراح إطلاق مشروع إصلاح وطني شامل لتطوير النظام السياسي والاجتماعي وصولا إلى تداول السلطة التنفيذية على أساس الأغلبية البرلمانية والحزبية، (لاحظ أنها تتطابق نسبيا مع ما نتحدث به الآن)، يحتاج تنفيذ المشروع -كما قال البخيت- إلى 30 عاما، على مرحلتين: الأولى مدتها 20 عاما تبدأ بحوار وطني شامل ينتهي بإنتاج حالة سياسية فاعلة ثم تشكيل حكومة سياسية تعمل وفق الدستور، ولا تمتلك أي حصانة وتخضع للمراقبة والمحاسبة، وتمتلك برنامجا سياسيا واضحا.. الخ، إلى جانب نظام برلماني يرسخ تمثيلا واقعيا للمجتمع، ونظام قضائي مستقل، ومؤسسات مجتمع مدني تعكس تنظيما مدنيا ينسجم مع التنظيم السياسي للدولة.
في المرحلة الثانية -حسب مشروع البخيت– ومدتها (5) سنوات، يمكن الانتقال إلى تداول السلطة التنفيذية على أساس الأغلبية البرلمانية والحزبية، استنادا إلى مسألتين: الأولى تحضير المجتمع والمؤسسات للنظام السياسي المطلوب، والثانية تحقيق المشاركة السياسية الفاعلة.
بعد 15 عاما -بالتمام- على مشروع البخيت، يتكرر السؤال ذاته وتتردد الإجابات والتعليقات ذاتها، ناهيك عن الآمال والهواجس، والأهم من ذلك كله هو “حالة البلد”، وما يجب أن نفعله لإصلاحها، لا أتحدث عن التشخيص الذي يفترض أننا فرغنا منه، ولا عن الوصفات الإصلاحية التي استهلكت سنوات طويلة من النقاش، وإنما عن الإرادة الحقيقية الصادقة: إرادة الدولة والمجتمع معا، الإرادة السياسية والاجتماعية، إذ إنه من دونهما لا يمكن أن نسير خطوة واحدة للأمام.
إذا سألتني هل نحتاج فعلا إلى عقد أو أكثر للوصول إلى برلمان مقنع للناس وحكومة برلمانية تمتلك كامل الصلاحيات الدستورية؟ سأجيبك: نعم، وربما نحتاج أكثر من ذلك، ليس -أبدا- لأن مجتمعنا لم يبلغ سن “النضج” والوعي لفعل ذلك، وليس لأن (100) عام على تأسيس الدولة كانت تكفي لتحقيق ذلك لو لم نتعرض لما تعرضنا له في هذه المنطقة المزدحمة بالحروب والصراعات، وإنما لسبب وجيه آخر، وهو أن “التراكمات” الكبيرة من الأخطاء التي تسببت فيها سياسات ومقررات عديدة، حولت المجتمع إلى “هياكل” فارغة ومتصدعة وأفقدته حيويته وقدرته على إفراز أفضل ما لديه، وبالتالي فإن الحاجة إلى ترميم هذه التصدعات أو بناء الجدران التي “تزعزعت” داخل المجتمع (منظومته الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية والدينية.. الخ) ثم إعادة الجسور بينه وبين مؤسسات الدولة التي تآكلت “خلطة” الثقة فيها، هذه تحتاج فعلا إلى عقد أو عقدين أو أكثر، حتى يتمكن مجتمعنا من الخروج من “أزماته” وهضم طموحاته وآماله التي كان قد جربها بنجاح قبل 50 عاما (الحكومة البرلمانية الأولى في مطلع الخمسينيات) ثم يعيد إنتاجها من جديد.
(الغد)