في أمسية نقاشية تقيمها شبكة نساء النهضة (أرض) بشكل مستمر طغى نقاش متشعب وساخن عن الخطاب المجتمعي الموجه، أسئلة كثيرة تداخلت من الحاضرات تنم عن تعطش لمعرفة كيف يتكون هذا الخطاب.
ولا شك أن الخطاب الإعلامي يلعب دورًا مؤثرًا في بناء العلاقات وتحديد الهويات الاجتماعية، وما أحوجنا الى تطوير قدراتنا على قراءة المشهد الإعلامي وباستمرار، وكذلك تحديد القوى المؤثرة والفاعلة فيها. وما أحوجنا أيضا الآن أكثر من أي وقت مضى الى محررين مزينين بطراز العدل والإنصاف ويتحروا حقائق الأمور قبل نشرها. كما نحتاج لإعلام يساعد المجتمع على أن يفهم القوى التي تشكل عالم اليوم، وتسهم في نشر الأفكار التي تساعد على تحقيق التحول في المجتمعات نحو عدالتها.
واتفقت الحاضرات من نساء الشبكة على أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في الفترة الأخيرة في الخطاب الجمعي والمجتمعي، وهنا لا بد وأن نسأل أنفسنا ما إذا كانت مساهمتنا على هذه الوسائل واعية بحيث أصبح كل واحد منا منافسا للصحفي وللإعلام التقليدي؟ وهل كانت توجه نحو سرعة النشر وإعادة التدوير للأفكار والرسائل التي يتم التخلص منها بسرعة بمجرد أن يأتي البند التالي، وهل استطعنا أن نبتعد عن «الجعجعة» اليومية ونتجه لاستكشاف واقعنا الاجتماعي؟
ويبقى السؤال: كيف نفهم الرسالة الإعلامية وليس كيفية الحصول عليها. ولكن حتى نكون منصفين، فقد التف المجتمع في بدايات الجائحة نحو الإعلام التقليدي وعادت الثقة بقدرته على توجيه خطاب مجتمعي، وقد جعلتنا الجائحة وتغطياتها الإعلامية في أن نسكتشف المفاهيم الأساسية والتطلعات الشجاعة التي كانت غائبة إلى حد كبير عنا وتحمل في طياتها إمكانية أن تُسفر عن لحظة من وعي مجتمعي جماعي، وتجعلنا نتفكر في قرارة أنفسنا في أسئلة وجودية.
وبقراءة متأنية ورصد في كيفية تعامل المواطنين مع مواضيع جدلية، تجعلنا نتوجه لجميع النشطاء على مواقع التواصل ليعوا بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقهم. سوف تتطلب التحديات التي نواجهها في نهاية المطاف حلولاً شاملة، وأنا أيضا جزء من هذه الحلول. ويجب أن يكون أحد مجالات التعلم المستمر بطريقة تعترف بقدرة جميع السكان على المساهمة في تقدم المجتمع. وكيف يمكن للجهات الفاعلة أن تعترف من حولها بمجتمع مليء بأنصار التغيير البناء.
وفي الواقع، لا يمكن فصل الفرد عن بيئته ولا يمكن إصلاح أحدهما دون الآخر؛ إذ إن حياة الفرد الخاصة تشكل البيئة وتتأثر بها في الوقت ذاته. فالاتجاه الهابط للتفسخ الأسري؛ والفوضى المنشرة على السوشال ميديا وانتقالها الى وسائل الإعلام التقليدية؛ التي لم تعد تراعي آداب المهنة ولا المهنية بطريقة رصينة. وهنا لا بد أن تعترف السياسات والبرامج الحكومية بأن التغيير المؤسسي والاجتماعي يجب أن يرافقه أيضا تغيير في القيم الإنسانية. ولا شيء غير غرس هذه القيم يمكن أن يُحدث تحولًا لدى الأفراد والمؤسسات، بشكل يؤمّن احترام حقوق المواطنين بشكل متساو.
إذن، لا بد من السير نحو خطاب مجتمعي موجه أن يبدأ بثقافة العيش المشترك، واختلفت ميسرة الجلسة على مصطلح قبول الآخر المختلف واعتبرته قبولا على مضض وكأنما الآخر فرض علينا لنتعايش معه، وفضلت البحث عن مصطلح آخر. فنحن لا ندعو للتشابه، وإنما وحدة المجتمع تكمن في التعددية والتنوع، ومن ثم فإن العلاقة مع الآخر لا يمكن أن تؤدي دورها المنشود، إلا باحترام متبادل بين الأطراف المتحاورة ووجهات نظرهم، لأن الهدف ليس الاتفاق الكلي، إنما بالبحث الجاد عن القواسم المشتركة، التي تشكل الركيزة الأساسية لتماسك لحمة المجتمع.
أعتقد بأن عدم قدرتنا على الحوار مع الآخر، يعود إلى عدم تعوّدنا على النقاش، وحتى مسألة تجاوز الأنماط التي فرضت علينا هي أكبر تحد للانفتاح نحو الآخر المختلف. إن عملية نشر قيم التسامح والاعتدال والوسطية، ليست شعارات، إنما لها أهداف ومحاور يجب أن تتبناها كل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الإعلام، فالإنسان عدوُّ ما يجهل.
يبدو من خلال النقاش، أن الموضوع صعب للغاية ولا يمكن اختزاله بمناقشة سريعة فهو متشعب جدا. فالمواجهة والملاحقات عبر الجرائم الالكترونية لا تضيف شيئا لاجتثاث جذور مشكلة التعصب والحوار بمختلف أشكاله. فالحلول تحتاج لأدوات جديدة ووعي جماعي بمستقبل مجتمعنا وتضحيات بأساليب بالية لم تعد تصلح للولوج في عالم يعصف بمتغيرات إيديولوجية وعقائدية على السوشال ميديا. ونتيجة لتأثير تيار القوى الهدامة في المجتمع، تختلط على بعض الأشخاص موازين الحق والباطل، لذا سيكون على الإعلام دور كبير في توجيه بوصلة الأفراد لتأكيد الطبيعة الخيرة للإنسان وتعزيز وبناء وتوجيه أفكارنا نحو ما هو خير لنا ولغيرنا.
(الغد)