مجلس النواب .. رهانٌ خاسر
العميد المتقاعد م. أحمد الحياري
13-08-2021 04:13 PM
بعـد مضـي أكثـر مـن ثلاثـة عقـود علـى ممارسـة الديمقراطيـة فـي بلدنـا الحبيـب , وتعـوُّد الشعـب علـى وجـود مجلـس النـواب ومجلـس الأعيـان , واعتبارهـم ممثليـن للشعـب فـي كافـة المياديـن , وعيونهـم السـاهـرة للرقابـة علـى السلطـات التنفيذيـة والهيئـات التـي انتشــرت كالنـار فـي الهشيـم .. والقيـام بالواجبـات التشريعيـة لتعديـل وسـن القوانيـن لمستجـدات العولمـة وتطويـر المخرجـات للروتيـن المتبـع لمواكبـة ورفـع مستـوى التناغـم لكافـة القطاعـات سـواء علـى الصعيـد الداخلـي أو الخارجـي.
لـم يمح مـن ذاكرتنـا النصـب التذكـاري الـذي رسمتـه مخيلتنـا تخليـدًا لذكـرى ديمقراطيتنـا التـي أُنجبَـت بعـد كبـوة اقتصاديـة كـادت أن تـودي بالأم والولــد .. نتـج عنهـا ولادة قيصريـة للتشاركيـة السياسيـة بعـد مخـاض عسيـر وتجربـة قاسيـة تجعلنـا نرتجـف علـى هـذا الموهـوب الـذي إن أحسنّـا التربيـة والرعايـة سيكـون المـلاذ الآمـن والضمـان لمستقبـل الوطـن والأجيـال القادمـة .
وبعـد مـرور هـذه المـدة الغيـر قليلـة مـن عمـر الديمقراطيـة يجعـل لنـا حـق مراجعـة النهـج المتَّبـع وإعـادة التقييـم مـن خـلال النتائـج التـي تحققـت.
وإذا تسائلنـا هـل هـذه المـدة كافيـة لتحقيـق النمـو السياسـي والاقتصـادي والوصـول للحالـة المقبولـة فـي مقاييـس تقـدم الشعـوب ... فإننـي أستشهـد بالفتـرة الزمنيـة التـي احتاجتهـا بلاد النمـور ( كوريـا الجنوبيـة , تايـوان , سنغافـورا , وهونـغ كونـغ ) وأشبـال النمـور ( ماليزيـا واندونيسيـا , والفيليبيـن , وتايلانـد ) لنقـل بلادهـم مـن حـالٍ إلـى حـال ... حتـى أصبحـوا فـي عـداد البلـدان القويـة اقتصاديًـا وتطـور الحيـاة السياسيـة بمـا يلائـم العصـر ويخـدم ديمومـة النمـو الاقتصـادي الـذي فـاق مـا نسبتـه 7% سنويًـا , حتـى أًصبحـوا فـي مصـاف البلـدان العظمـى إن لـم يسبقوهـا . والشـاهد في ذلـك أن هـذه البلـدان لـم تكـن أفضـل حـالًا مـن حالنـا .
وبالعـودة لمجلـس النـواب ومـاذا حقـق خـلال هـذه الفتـرة الطويلـة والتـي تنقـض التبريـر بسبـب صغـر عمـر الحيـاة النيابيـة ... وإننـي لا أتـردد طرفـة عيـن الحكـم بالفشـل الذَّريـع علـى مجلـس النـواب لكافـة النسـخ التـي تعاقبـت خـلال الفتـرات السابقـة والحاليـة ..... ومقيـاس الحكـم هـو هـل استطـاع المجلـس العمـل علـى تغييـر النهـج الوطنـي وإخضـاع الحكومـات لرسـم سياسـات جديـدة للوصـول إلـى الحالـة السياسيـة والاقتصاديـة التـي تنقــل الأردن إلـى مصـاف دول النمـور علـى سبيـل المثـال ... أم أن ذلـك محظـور علينـا ويصـل إلـى مرتبـة التَّحريـم .
ومـا هـي أسبـاب فشـل هـذه المجالـس المتعاقبـة ؟
ربمـا أضـع بيـن أيديكـم وعلـى عجالـة حزمـة مـن الأسبـاب التـي ساهمـت فـي إضعـاف المجلـس وأخرجتـه عـن قضبـان السكــة وتحويــل المسـار إلـى وجهـات أخـرى أصبحـت مجهولــة حتـى علـى صانعيهــا .
• عـدم وجـود حيـاة حزبيـة .. وهـذا يقـع علـى عاتـق الحكومـات التــي أصبـح مـن الواضـح أنهـا تحـارب وجـود أحـزاب قويـة ولا تُهيـئ الأرضيـة التـي تعمـل علـى خلـق حيـاة حزبيـة فاعلـة .. وتبقـى الشخصيـات السياسيـة وليـدة اعتبـارات مناطقيـة وعشائريـة تتغيـر حسـب الظـروف والمتطلبـات اللحظيـة .
• اختـلالات القانـون الانتخابـي .. حيثُ أن القانـون اعتمـد علـى أساسـات وقواعـد خاطئـة ومنهـا :
︎ المناطقيـــة والاختـلالات فـي نسـب التمثيـل .
︎ الكوتـا بكافـة أنواعهـا :
- الكوتـا العرقيـة ( شركـس , شيشـان ) ... ورغـم أن الجميـع يتمتـع بالجنسيـة الأردنيـة , ومضـى علـى وجـوده فـي الأردن فتـرة تـوازي وتزيـد علـى عمـر إنشـاء إمـارة شـرق الأردن , وكانـوا مـن الذيـن ساهمـوا فـي بنـاء الأردن فـي كافـة مراحلـه وأصبحـت أعدادهـم تلغـي اعتبارهـم أقليـات شأنهـم شـأن كافـة العشائـر الأردنيـة .
- الكوتـا الدينيـة / المسيحـي .. ونحـن فـي الأردن نعيـش حيـاة المسـاواة وحفـظ الحقـوق والتعايـش المثالـي بيـن الأديـان .
- الكوتـا النسائيـة .. والتـي ثبـت فشلهـا عبـر هـذه المـدة الطويلـة فـلا زالـت المـرأة لا تحبـذ انتخـاب المـرأة ولا ينفـي ذلـك وجـود نسـاءٍ قـادرات واستطـاع البعـض منهـن الفـوز بمقاعـد الدوائـر الرئيسيـة.
وإذا كانـت ثقافـة المـرأة لا ترجـح انتخـاب المـرأة .. فهـل تريـد المـرأة المنتخبـة أن تكـون ممثـلًا لمتطلبـات المـرأة .
وهـل أصبـح وجـود المـرأة فـي المحافـل هـو الدليـل علـى العولمـة والحضـارة .. وشهـادة لـدى المسؤوليـن والبـراءة للتعصـب الذكـوري .
وخلاصـة القـول أن الكوتـا تُلبسنـا ثوبًـا ليـس لنـا .. ولا يريـده مجتمعنـا .. وتُميِّـز بيـن فئـات الشعـب الواحـد وتعطـي الحـق لمـن لا يستحـق ... والأصـل أن الجميـع متسـاوون والأفضليـة للأصلـح .. ولا يمنـع فـوز أصحـاب الكوتـا بحصـص أكبـر إذا كـان يستحقهـا بالتنافـس العـادل .
وأخيـــرًا وفـي حـال بقـي الوضع كمـا هـو عليـه .. وكـان وجـود البرلمـان تمامًـا مثـل عدمـه .. ولا يحقـق أي تقـدم فـي خلـق النهـج والرقابـة الجـادة لضمـان نجاحـه والوصـول إلـى الأهـداف والمقاصـد .
فإن استمراريـة البرلمـان تكـون عبئًـا علـى الوطـن والمواطـن والحكومـة .. رغـم أنهـا تعطـي شهـادة بـراءة للحكومـة لمجـرد التواجـد .
وإذا لـم يغيـر البرلمـان أيدلوجياتـه ونهجـه فلـن يستطيـع تغييـر الحكومـات .
ويبقـى برلمـان الأردن باعثــًــا للخلافــات العشائريـة والتنـازع علـى مـا يسمـى ب " الشيخـة " , وتعزيـزًا وإسنـادًا للفسـاد وجلـب المنافـع الخاصـــة .