قصص قصيرة جدا: الخروج من دائرة الملح
حسين دعسة
13-08-2021 02:09 AM
1 - شرفة العصفور
ينقر العشب، يداعب زهرا.
ات الخبيز، ينحني لصورته في صحن الماء.
يداعب يد ابي، يمتحن صبره، يلتقط بقايا العلف الذي ننثره بين شجر الشرفة، العصفور الوحيد الذي يجاور منامات اليمام.
..وانا على تلك الشرفة طارت تلك النهاية لقصة العصفور:
..وحدث انني حلمت بي وحدي اطعن قلبي بمنقار عاشق ولقد أرسلت العصفور ليلعب بهدوء المرتقب، التائه.
يرتفع صور الخادمة:
-بابا ماما تريد الكرسي الول شير بابا.
رفرف العصفور، نفض جناحيه وغرد باحثا عن فضاء يوم جديد.
2 - دائرة الملح
أراد الدخول في دوائر خفية، علامات معلقة على قماشة الرسم.
وضع خيطا من الملح ليفصل تراكم اللون، مالت حدود الملح، اخترقت اثلاما وجراحا ساخنة.
بكى حرقة مالحة علقت بين رموش متعبة وتلك العيون النائمة على دائرة الملح.
حرك ضربات الفرشاة، ذاب الملح تاركا ندبا، توست، نالت من دماء تنز من مقلة عين تمساح عنيد.
حدث الفنان الغريب:
-ماذا ترسم؟
لاشيء، انني امتحن قدراتي على اللعنة،وما أرسلت من ظلال الملح، اتذكر ان امي قالت ذات مساء:
لتتعرف على جراحك، اغمرها بالملح، لاتنسى ان تصك أسنانك ولا تبكي.
ذاب الملح، بقيت ندوبي تستعمر حلمي، ينتفض، يلعن حرقة الأشياء.. يغفو على ألم لا ينتهي، تتسع دائرة الملح.
3 - عندما نستمع إلى وردة الحريق!!
أكدت، بصفوة العشاق، انها ستستمع إلى وردة الجزائرية(....) وانها تعشق هذا المقطع من نار وردة: (.. بيسألوني لو غبت عني
او رحت مني.. اعمل ايه..).
نالني وهم وخوف وشؤم:
-الحريق يأكل الجزائر الخضراء، جزائر الحب، ممشى الثوار ورفيقتهم المجاهدة جميلة بوحيرد.
بكيت جبال الاوراس، خروب وصنوبر وسرو معلق حد الصخور وكهوف المجاهدين.
حبيبتي تغني مع وردة، لعلها تبكي، تصر على محاكاة درب الآلام الذي يخطو فيه.
رن الهاتف، كانت ترقص في الحمام وتغني، كنت اتشوق لنقل اخبار الحرائق في جبال وغابات الجزائر ولأقول ل حرير الروح:
-لا يليق بنا الغناء، فالنهار لا يعشق الا ذاته، تسرق عمر الغابة،.. ولكنها، حبيبتي المشاغبة، كانت تكتب فصول مسرحيتها، تغتسل من غبار التعب، تعيش اللحظة لتعري أشجار قصصها، وانا أشاهد الحريق واسمعها:
-
..«احب تاني.. تاني تاني
مش ممكن اقدر.. تعرف يا روحي».
.. يهرب راعي الاوراس، تتفلت الاغنام وتتبعهم النار، بينما أمد يدي، لتنام تريح شعرها المبلول وتبكي، تبكي لعلها شاهدت ذكريات عشاق الغابات، تركتها تغني وتنسج:»
«هو اللي زيك لو كان في زيك
في الدنيا حد يحب عليه..
دي كل حاجه اتغيرت.. قدام عينيه..»
لكنني غفوت، كان رذاذ شعرك يبرد القلب، انفاسك تتناوب على صورة تأتي لتثير الألم، لماذا لا محترق مثل صنوبرات الاوراس، وغابات سطيف، وتترك كل شئ لنقول للسماء:
-انطري، فلعل روح جميلة بوحيرد تنام على حد غيمة..!
.. واكتشف، ان روايتي، تنز بدل الدم موسيقى..: «وكل شيء في الدنيا حلو.. باقول دا ليٌه..»
.. ألملم كيانك، اوزع بتلات ورودك الي دليل السماء، لعله يصل مع طيفك فوق تلك التلال، يدحر نار الأرض، ولغو الشجر، تلتقطين تلك الطفلة من كوخ حكايتها لتنام إلى جانب يمامتك المنفلتة على رائحة شجر وحجر وناس يحرقون بصمت فوق تلال مهيبة اندحر على هواها كل الأعداء.
صرخت. مال قلمها يحك حبرا تبعثر ورسم النقاط الحرجة، بين خط النار وخط النجاة:
-«واي حاجة المسها تحلو في ايديه»، حتى النار.
ثم كان ان تحدث معي المحارب الجزائري يبكي قبر رفاقه المجاهدين، صعقني،قلت اغير مسار الاحداث:
- يا بو شوشة حرير الروح حبيبتي تغني وردة الجزائرية وتكتب مسرحية عظيمة!
واسمعني من تلمسان تلك الاغنية: «يا حبيبي كنت واحشني
من غير ماشوفك وتشوفني
والقدر الحلو اهو جابني
وجابك علشان تقابلني».
وزاد مؤكداً:
- انها الحياة، ستمطر قريبا وندفن حطب الخلود وندندن بصمت، ولفت بطرف عينيه عبر الفضاء الازرق ولملم الحكاية:
«اتارينا كنا تايهين ولقينا
اجمل ايام ليالينا
واحنا فيها لوحدينا.. «ثم غاب في ازرق الدموع وسمعته يقول:
- اه من قهر الرجال وغلبة النار:
«ومين يصدق يجري ده كله».
ونعيش سوا العمر كله؛ ذلك انني نسيت ان الكلمات كتبها الشاعر حسين السيد، وتركنا في حيرة حلم يوم وليلة، نؤلف ونترقب رضا السماء فلعل دوائر الالم والملح والموسيقا تأخذ حدودها.
الرأي