نَزَلَ الذكرُ متفرقاً باللغة العربية وعلى حُروفٍ مختلفة وتمت قراءته وحفظهُ على يدِ الصحابة كما نقرأه ونسمعه اليوم. وهو سيدُ اللغة ومنبعها وهو الذي يصونها ويرفعها ذكراً في العالمين. لكن التحذير الإلهي الذي رافق القرآن هو في عدم هجرِ القرآن. وأفهم هَجْرَهُ بأن لا يُقرأ وأن لا يُعملُ بأوامره ونواهيه وأن لا يُستمتَعُ فيه لُغةً يوميةَ الاستخدام فائقةَ الجمال والسمو لا يرقى لها حرفٌ دنيويٌ. هَجْرُهُ المؤلمُ كذلك هو بالابتعاد الجائر عن لُغته العربية الصافية السامية في هذه الحياة التي نعيش.
إنَّ تدهور ملَكَةَ اللغة العربية أكبرُ من أن يُترك على هواه. هذا التدهور الذي نراه في كل خطوات يومنا المنزلي والعملي. وكأن المدارس والجامعات قررت أن اللغة العربية لغةٌ يجبُ أن تُباد. وكأن جميعنا في بيتٍ أو عملٍ قَرَّرَ أن يَقْتَصَّ من اللغة العربية بالتشويه قولاً و كتابةً، في ورقٍ يُكتبُ أو إعلانٍ يُرفعُ. تحتارُ من سوء الخطوط و تفاهة الكلمات وتعريبٌ ممجوجٌ لكلماتٍ وأوصافِ منتجاتٍ أجنبيةٍ لِأَحرُفَ عربية لا تكادُ تُفهم ولا تُستساغَ من فاهمٍ. سبحان الله. من وما بثَّ فينا هذا التمزق والانسلاخ عن لغة الله لنا وكيف نحفظ ذكرهُ بين العوام، وهي ليست تقليلاً من شأننا ولكن تفريقاً بيننا وبين حافظي الذكر المبجلين بالمعرفة؟ كيف لا نُدركُ أن فقدان اللغة العربية هو فقدانُ الارتباط بين الأجيال السابقة والحاضرة واللاحقة؟
إحياءُ اللغة العربية مطلبٌ رُكنيٌ من الدولة يجب أن يطالَ مناحي الحياة ولو بالقوة. كفاناً استهتاراً باللغة العربية فالاستهتار دربٌ زَلِقٌ لا يقودُ إلا للاندثار. إحفظوا الذكر.