لا احد يوقف النهب والنهابين ، ولا الشطار والمتشاطرين ، ممن ينهبون اموال الناس ، في هذا البلد ، كل يوم ، ويتذاكون علينا بمزيد من النصب والاحتيال.
معظم المدارس الخاصة ، ومعها معظم الجامعات الخاصة ، تحولت الى "اقطاعيات" لا يمكن سؤالها ولا محاسبتها ، فترفع المدارس والجامعات رسومها ، باعتبار اننا شعب ثري ونفطي ، وكل عام يذبحوننا بسكين حادة ، حتى بات تعليم طالب في مدرسة خاصة او جامعة خاصة ، يعني ان يبيع الاب ملابسه على قارعة الطريق ، على مرأى من راكبي السيارات الفاخرة ، التي يتم تمويل وقود معظمها من دم الشعب.
مدارس خاصة لا تكتفي ايضا بنهب المال من جيوب الناس ، بل تسلب ايضا جهاراً نهاراً ، جهد المدرسة الحكومية في انتاج متفوقين ، فتغريهم بالانتقال الى مدارسها ، في المرحلة الاعدادية او الثانوية ، من اجل تزيين نتائج الثانوية بحفنة من الاسماء اللامعة والمتفوقة ، بحيث يتم الاستثمار حتى في تعب الناس ، وتجييره الى مدارس ليست لها علاقة بهذا التفوق وفي اساسياته ، وعلى الرغم من قدرة الحكومات على منع هذا الانتقال الا انها تفرط بطلابها ، بحيث يتم هدم التعليم الحكومي يوما بعد يوم.
الجامعات الخاصة قصة اخرى ، فما بين النفوذ هنا وهناك ، بات معظمها "جمهوريات موز" لا يقترب منها احد ، فيتسول الاباء لتعليم اولادهم ، وحين تحسب كلفة الشهادة الجامعية ، تكتشف انها لا تساوي شيئا في سوق العمل والاجتهاد والمنافسة ، وياليت هذه الجامعات تنصف كوادرها ، اذ كل مهمتها هي انتاج طلبة بنصف ذاكرة ، وتعيين كفاءات اكاديمية من على هامش سوق الكفاءات ، وفوق ذلك تحويل التعليم الى مذبحة يومية بهذه الجباية التي لا تتوقف.
تسمع ارقاماً فلكية مطلوبة في جامعات خاصة ومدارس خاصة ، وتتطلع الى الجيل الذي يتم انتاجه ، فتجده في الاغلب سطحياً ، لا يساوي "شلنا" في سوق السير الذاتية ، فيحتفل بيوم تخرجه ، وبانضمامه الى نقابة العاطلين عن العمل ، ولو دفع الاب هذه المبالغ لابنه وافتتح بها بسطة لبيع الخضار في مخيم البقعة او سوق اربد الكبير لكان ذلك اكسب واربح واكثر جدوى ، في هذا الزمن ، ولو منح الاب هذه المبالغ لابنه ، وفر بها الى اوروبا لدرس في احسن جامعات بريطانيا ، بدلا من ضياع الوقت والمال على هذه المهازل.
اذا كانت الحكومات لدينا تقول عن نفسها انها فقيرة وعاجزة ومديونة ، ولا تستطيع تقديم مقعد لطالب في جامعة حكومية ، او تحافظ على مستوى التعليم الحكومي ، فلتساعدنا هذه الحكومات على الاقل ، بالضرب على يد تجار التعليم.
النهابون وُسّراق الليل والشطار ، باتوا في كل مكان ، واخطر انواعهم ، ذاك النوع الذي يتأنق ويرتدي قميصا فرنسيا مكويا بدقة بالغة ، وربطة عنق بريطانية تثير البهجة ، لان كل هذه باتت "عدة النصب" على الناس ، واللص الذي يصعد الى شقة في الطابق السابع لسرقتها لتأمين وجبة العشاء لاطفاله ، بريء ومحترم ، مقارنة مع اخرين يأخذون مالك وانت ساكت ومبتسم ، شاكراً حامداً.
"غطيني يا صفية وصوّتي" قالها الزعيم سعد زغلول ورحل ، ولم يعرف ان الغطاء حتى لم يعد متوفراً.
(الدستور)