الحراك الاخير الذي شهده سوق العمل في العامين الماضيين كان الجزء الاكبر منه مصدره قطاع الصناعة التحويلية الذي ما ان عصفت الازمة العالمية باقتصاديات المنطقة حتى تبين انه الأكثر طردا للعمالة, ولعل لهذا الامر مبرراته.
فالمناطق الصناعية المؤهلة التي فاقت صادراتها الى امريكا مجمل الصادرات الوطنية بعد ان وصلت ما مقداره 1.3 مليار دولار تعاني اليوم من ظروف وتحديات صعبة لعل ابرزها التراجع الحاد في ميزتها التنافسية واقامة مناطق مماثلة في دول الجوار ذي العمالة المدربة والتكلفة القليلة, لذلك تراجعت ارباحها نتيجة هبوط انتاجها, ناهيك عن ان ظروف العمل في تلك المناطق ما زالت تشوبها الكثير من الاختلالات الخاصة بحقوق العمال الذين لا يجدون بيئة عمل تُقدر ما يعملون.
كما ان المهن الأولية أكثر استقطاباً الا ان العاملين في الحرف هم الأكثر طرداً منها, ويأتي ذلك لضياع حقوق العمال في هذا القطاع الذي ما زالت رقابة الدولة عليه دون المستوى المطلوب, فيتحكم أرباب العمل بالاجور وساعات العمل من دون رقيب او حسيب, ناهيك عن عدم التزامهم بالضمان الاجتماعي او التأمين الصحي او غيره من ابسط حقوق العاملين, مما يدفع العامل للبحث عن عمل آخر عند اول مشكلة تواجهه.
نتائج المسح الاخير للتشغيل قالت ان 24 بالمئة ممن يتركون العمل بسبب ظروف العمل غير المواتية حيث كانت السبب الأكبر لترك العمل, خاصة الذكور.
ليس صحيحا ان الاردنيين لا يرغبون في العمل, لكن من حق المواطن على الدولة ان تضمن حقوقه الاساسية في العمل, فاغلب الاعمال الحرفية والانشائية ما زالت خارج نطاق سيطرة الدولة الرقابية, خاصة فيما يتعلق بأساسات العمل, وفي كثير من الاحيان يشعر المواطن المتقدم لتلك الوظيفة انه سيصبح عبدا في القريب العاجل ان يسمع ويصدع لرب العمل.
هنا يأتي دور وزارة العمل ونقابة اتحاد العمال في وضع نظام مؤسسي يضمن اولا ان يكون هناك صوت للعاملين وقوة ضغط في مجابهة ارباب العمل المخالفين للقانون.
ورغم كل الاشكاليات التي نسمع عنها ونراها من تجاوزات في سوق العمل الاردني إلا ان الكثير من تلك المخالفات تمت ازالتها وتم تفعيل الدور الرقابي للاجهزة المعنية خاصة في المصانع ذات التشغيل الاكبر للعمالة بشكل افضل مما كان عليه في السابق, فاليوم نشاهد اعتصامات واضرابات للعمال باسلوب منظم, ونرى مفاوضات تجرى بين طرفي المعادلة الانتاجية رب العمل والعامل نفسه لتحصيل افضل الحقوق.
كما نرى اليوم تدافع المواطنين الشباب للانتساب للشركة الوطنية للتشغيل والتدريب من مختلف المحافظات بعد ان توفر لهم الارضية الخصبة للتأهيل النوعي في حرف واعمال اعتقد الكثير من اصحاب القرار ان الاردنيين لا يعملون بها, الا ان الظروف التي يعيشها الاقتصاد الاردني في الوقت الراهن تضع تحديات جسام امام استمرار عمل تلك الشركة بالصورة السابقة.
سوق العمل في الاردن ما زال قادرا على استيعاب اعداد متزايدة من المواطنين الراغبين بالعمل, لكن المطلوب هو الاستمرار في السياسة الراهنة التي تتخذها وزارة العمل الهادفة الى احلال العمالة المحلية بدلا من الوافدة التي تستحوذ على اكثر من 15 بالمئة من الاعمال, وان جاءت بكل هدوء وسلاسة, مصحوبة باجراءات تقدمية في مجال التشريعات والانظمة التي تعزز حقوق العاملين وارباب العمل من دون ان يكون هناك غبن.0
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)