لا يخفى على كل متابع أن العلاقات الأردنية العراقية ومستويات التنسيق والتفاهم في أفضل حالاتها في عهد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وهناك تفعيل للإطار الثلاثي مع مصر والعراق فضلاً عن التواصل الثنائي الدائم.
الأردن تعامل بإيجابية مع كل رؤساء الوزراء العراقيين، لأن العراق ليس حالة مؤقتة في علاقات الأردن بل هو الجار والعمق الاستراتيجي، لكن بنية النظام السياسي العراقي بعد الاحتلال الأميركي تغيرت ودخلت إيران على المعادلة العراقية بل ربما كانت اللاعب الأهم سياسيا واقتصاديا.
لكن الأردن لم يبتعد عن العراق بل كان حريصا على التعاون دائما حتى في عهد حكومات كانت تحت تأثير كبير من إيران وأتباعها، وكان يدرك أن هناك بين القوى المؤثرة في العراق من لا يريد الاقتراب من الأردن ولا أي دولة عربية لأن هذا الاقتراب سيكون على حساب النفوذ الإيراني سياسيا واقتصاديا، فالعراق بالنسبة لإيران سوق كبير لمنتجاتها المختلفة.
والأردن يدرك أن معادلة العراق ستجعل من إيران جاراً بعلاقات قوية مع العراق، لكنه كان يسعى أن تكون سياسة الحكومة العراقية من منطلقات وطنية دون تبعية لطرف، وأن تكون العلاقات العراقية مع الجميع والأهم البعد العربي، وكان يؤمن بأن على العرب ألا يتركوا العراق.
الكاظمي خيار كان مهما في المرحلة الماضية والحالية، رجل سياسة وأمن يؤمن بالدولة الوطنية العراقية، نسج علاقات عربية مهمة وعزز الإطار الثلاثي مع الأردن ومصر، أقام علاقة مع إيران لكن ضمن إطار مصالح العراق، ويعمل بقوة لتثبيت قوة الدولة وإضعاف الفكر والممارسة المليشية التي تنتشر في العراق عبر ميليشيات بولاءات إيرانية.
الكاظمي قريب من الأردن، والأردن يرى فيه نموذجاً لرئيس الوزراء القادر على تخفيف مشكلات العراق وبناء توازن في علاقات العراق مع محيطه، فتح الباب ورعى حوارا إيرانيا سعوديا، يحاول العمل لتعزيز الدولة الوطنية العراقية، لا يؤمن بنفوذ الميليشيات لكن الأمر ليس سهلا في مواجهة واقع صعب تم بناؤه في سنوات طويلة.
الكاظمي أو نهجه وقناعاته هو ما يحتاجه العراق ليكون حالة فاعلة وليس حديقه خلفية لإيران، وأيضا لأن للعراق مصالح مهمة مع محيطه العربي وليس كما يريده البعض سوقا للمنتجات الإيرانية حتى الرديء منها.
العراق دولة كبيرة بإمكانات ضخمة وهناك بعض قواه ترفض أي تقارب مع محيطه العربي، وتعطل بعض المشاريع المشتركة، لكن العراق يمكنه بناء علاقة جوار مع إيران وعلاقات اخرى مع العرب والعالم عبر مفهوم الدولة الوطنية وهذا ما يميز الكاظمي عن غيره.
القضية ليست بين عراقي شيعي وسني، بل بين عراقي يؤمن بالدولة الوطنية وتوازن في علاقات العراق، ويرفض دفن الدولة في نفق الميليشيات، وبين عراقي لا يؤمن بهذا.
العراق مقبل على انتخابات بعد حين، وهي معركة على الفكر الذي سيحكم العراق، والأمنيات أن تكون النتيجة لصالح من يؤمنون بالدولة العراقية الوطنية وعلاقات متوازنة مع كل المحيط.
(الرأي)