مجلس النواب: عندما يتطور الاداء
د.طلال طلب الشرفات
10-08-2021 10:16 PM
يخطئ من يظن أن أداء مجلس النواب يشوبه الضعف أو يعتريه الخلل، ويخطئ أكثر من يعتقد أن العدد الكبير من الأعضاء الجدد سيؤثر سلباً على أداء المجلس، ومخرجات أعماله الرقابية والتشريعية؛ ذلك أن حالة الحماس والرغبة في اكتساب الخبرة أضحت سمة ترافق أغلبهم، وإدراك مصالح الدولة العليا صفة تلامس آداءهم، والارتقاء بخطابهم السياسي والوطني أصبح اكثر نضجاً وتفاعلاً مع معايير وضوابط الصالح العام.
قيّض لي أن اتابع جلسات المجلس، وراق لي نضج الأداء في مناقشة مشروع قانون أمانة عمان، وراق لي أكثر الحس العالي في تمكين المؤسسات الرقابية في تحصين دورها، وتحسين ظروفها في القيام بأعمالها وفي مقدمتها هيئة النزاهة ومكافحة الفساد من خلال اعتبار استخدام المال الأسود جريمة فساد يأنفها الشعب، وتحتاج إلى تحقيق احترافي؛ لأنها تصنف من الجرائم المنظمة، بالإضافة إلى توسيع صلاحياتها في الحجز والاحتفاظ بالمشتبه بهم لمواجهة ضياع الأدلة والهرب، وتمكينها من إجراء التسويات والمصالحات لحفظ المال العام والثقة العامة وما في حكمهما.
لقد أثار إعجابي اتساع مساحة الحوار والتعاون بين اللاعبين الكبار في المجلس، وتضيق مسافات الخلاف والاختلاف بينهم، وإدراكهم العميق أن مصلحة الوطن وتماسك المجلس هي أهداف وطنية نبيلة تتجاوز الطموحات الشخصية والمصالح السياسية. وقد زاد من إعجابي حرصهم على التعاون مع زملائهم الجدد، ورفدهم بالخبرات وأساليب وضوابط النقاش والتصويت، وتمكين المبدعين منهم في إشغال مواقع في اللجان والمكتب الدائم، وجمعيات الصداقة البرلمانية. والأهم من ذلك كله هو تمكينهم من ممارسة قواعد الاشتباك الإيجابي مع القضايا الوطنية، وربطهم مع أصحاب القرار لخدمة مناطقهم ومواطنيهم.
مجلس النواب الحالي وبحكم متابعتي الحثيثة للشأن العام مؤهل ليقوم بدوره الوطني، وهذا يتطلب توسيع مساحات قواعد الاجتهاد الإيجابي، وتعاون الحكومة معهم في تحقيق مبدأ التوازن بين السلطات، بما يرسّخ دوره الرقابي والتشريعي، ويعزز ثقة المواطن به، ويؤهل المجلس لمرحلة قريبة قادمة ومهمة في الانفتاح والتحديث والتطوير في المنظومة السياسية برمتها للانتقال بعدها إلى التطوير الإداري والاقتصادي وتوسيع آفاق الاستثمار وتحقيق مبدأ سيادة القانون.
الخارطة العمرية والسياسية، والتأهيل الأكاديمي والثقافي العام، وحالة المرونة الاستثنائية التي ترافق سلوك النواب تجعل من الاستثمار الوطني لعمل هذا المجلس فرصة تاريخية لعقلنة المشهد العام وتطوير الحياة السياسية والاقتصادية، وتجعل منه باكورة الانطلاق لتعزيز ثقة الشارع بالعمل البرلماني، بعد أن وصلت قناعة المواطن بجدوى عمل السلطات والمؤسسات العامة مستويات سلبية مرعبة آن أوان مغادرتها إلى مرحلة الخلاص الوطني الأكيد.
دعونا نحسن الظَّن في محراب الشعب، فهو ملاذنا التمثيلي بعد مؤسسة العرش التي أذهلت العالم بحكمتها وحنكتها وانحيازها لقضايا الشعب والوطن، ودعونا ندرك حقيقة سياسية دامغة مفادها؛ أن الوصول إلى الحكومات البرلمانية لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال إيماننا بأهمية ودور مؤسسة البرلمان. وعلى هذا الثرى المقدس دائماً ما يستحق الحياة.