في الثامن من آب سنة ١٩٧٩ ،، وفي يوم شديد الحر ،، ولكنه شديد الألم لفقد الرجال ،، غادرنا لدار الحق الشهيد طالب محمد صويلح ،، وهو ابن عشيرة أردنية خرجت وما زالت تُخرج الرجال ،، خدمة لمبادئهم وعروبتهم ودينهم وأوطانهم.

غادرنا طالب الشهيد ،، بعد سنوات من النضال ،، لم يدخر جهداً فيها خدمة لوطنه وأهله ،، ولم يتأخر ساعة عن خدمة قضيته الأولى وقضية العرب والمسلمين ،، فكانت فلسطين بوصلة القلب والعقل عنده ،، وكانت الكاشفة لصدق الرجال وتمييز حقيقتهم،، ولم يمنعه شيء أن يبذل نفسه في سبيل العروبة وجمع كلمتها وشتاتها.

طالب الشهيد المولود في النعيمة الأردنية ،، وطالب الشهيد الذي عاش جاداً مجتهداً ،، حريصاً على نصرة الضعفاء ،، وخادماً للفقراء ،، أميناً طاهر اليد على الأمانات بين يديه ،، عاش متنقلاً بين الفكر العروبي والبندقية ،، لم يختر المهادنة والتنازل في حياته ،، ولم يقبل الدنية وانحناء الرأس ،، فعاش شامخاً وبقي كذلك حتى انتهت به الحياة.

انتقل طالب الشهيد من الأردن بلده الذي عشقه وأنشئ رفاقه على محبته ،، ليكمل مسيرته في بغداد الرشيد ،، فتجدد به الحال والهمة ،، وانطلق كعهد الرفاق به خادماً لمن حوله ،، لا يعرف للتكسب سبيلاً ،، ولم يسعى لذاته ،، بل قدم غيره للمغانم ،، وتقدم عليهم في لحظات البذل والمغارم ،، حتى انتهى به المطاف شهيداً بين يدي مؤامرة تم تصفية شركاء الكفاح والنضال فيها ،، لتبقى الساحة خالية ليد استأثرت السلطة ،، وعرفت العنف والقسوة وغمست تاريخها بدماء الأبرياء ،، وبذلك حكمت على طالب الشهيد ونخبة من رفاق الطريق أن يغادروا الدنيا حتى لا يبقى في الطريق الحريصون على سلامة الطريق وطهر العروبة فيه.

في الثامن من آب من سنة ١٩٧٩ قضى طالب شهيداً بقرار من محكمة صورية ظالمة ،، لا تعرف من عدل الأرض ولا عدل السماء شيئاً ،، وبأمر من المستولي على سلطة الأمر الواقع لتصفية رفاق الطريق في حادثة عرفت باسم مجزرة الرفاق في قاعة الخلد ،، والتي انتهت باسقاط خيار الوحدة بين جناحي البعث في سوريا والعراق،،، وأدخلت بعد ذلك العراق في شلال من الدماء وبحيرة من الألم والأوجاع.

رحم الله الشهيد طالب صويلح ،، ورحم الله كل المخلصين الأنقياء ،، فقد بكاه من عرفه ،، وافتقده من سمع به وبرجولته ومكارمه ،، لكن طالب الشهيد وإن غاب عنا منذ إثنتين وأربعين سنة ،، فإنه سيبقى الشهيد الفقيد الذي لا يغيب.

وسيبقى طالب صويلح شمساً لا تغيب ،، وسيبقى بإرثه علامة في سماء العروبة والرجال.