في جمرة القيض تصير جباههم أجمل
د. أميرة يوسف ظاهر
09-08-2021 11:22 AM
تأتي موجة الحر هذا العام في ظروف مختلفة اقتصاديًا وبيئيًا وصحيًا، فالعمال لا يملكون من الأمر شيئًا لمغادرة مكان العمل لالتماس شيئا من ظل هنا وهناك؛ نتيجة حاجتهم لأن يسدوا رمق عائلاتهم، ويعوضوا ما ذهب نتيجة وباء استشرى لعامين منعهم مجبرين على الجلوس في منازلهم دون أجر من مؤسسات القطاع الخاص أو عملهم الفردي، حتى أن تآكلت رواتبهم في مؤسسات أخرى نتيجة توقف الإنتاج.
ويشتد الحر هذا الصيف إذ تصل درجات الحرارة في بعض المناطق إلى مستويات قياسية تحول بين هؤلاء الذين يتطلب عملهم الوجود في جمرة القيظ أو التحول إلى عاطلين عن العمل، فعمال الوطن لا يستطيعون أخذ قسط من الراحة، ولذلك تصير جباههم بلون الأرض التي يجهدون لتصير أجمل وتصبح حياتنا أكثر راحةً. فما أجمل جباههم وهم يحملون في ثنايا أرواحهم همنا، ويحملون عنا ما أنفت منه نفوسنا، وما أروع حيائهم وهم يذوبون حرا وحرقة، وينصهرون في مهاوي أوديتنا وعلى الطرق المؤدية لبيوتنا وعملنا، يحملون ما وقع من أيدينا عمدًا وما تساقط منها دون علمنا أو من أطفالنا، أو ما تعمد الآخرون على إلقائه دون مسؤولية وضمير، ويأخذون ما تجمع من طعامنا بعيدا، لتبقى أفنيتنا نظيفة وحوارينا أجمل.
ما أجمل جباههم وهم ينظرون إلينا ونحن داخل سيارات فارهة مكيفة نأنف أن نفتح زجاجها لنلقي إليهم التحية أو لنشاركهم لفحات ساخنة للحظات! وهم من يقف ساعات النهار اللاهب بمواجهة رزقهم ومستقبل أبنائهم وبناتهم، ليت الكثير منا بل ومعظمنا يحمل زجاجة ماء باردة لتكون وسيلة التواصل بيننا وبينهم حتى نخفف من وطأة تعبهم، فنقلل الهوة بيننا حبا ببلدنا وقيم الحق والعدل والجمال التي عمرت أرواحنا وأنفسنا.
ما أجمل جباههم! وما أرق حياءهم! تعمر قلوبهم بكبرياء وأنفة وهم يرفضون أن يأووا إلى بيوتهم ويسعون إلى رزق رخيص يجلب لهم قوت يومهم، يأخذون أنفسهم إلى الجهد الأقسى لسد الرمق، ويسعون بعيدًا عن حاجتهم للناس، وبعيدًا عن أن يكونوا عبئا على أهلهم ومجتمعهم والناس من حولهم لأن يكونوا أفرادا منتجين إيجابيين.
ما أجمل جباههم في جمرة القيظ وفي موجة الحر التي تفتك بالجميع! وهناك من يجلسون تحت وثير أجهزة التكييف الرقمية، في البيوت والقاعات والعمل والسيارات، بينما يتفيؤون إن كان متاحًا لهم تحت ظل شجرة أو ظل جدار فوق أرض لافحة وسماء فوقهم تشوي الوجوه. لتلك الجباه الفضلى ألف تحية.
لقد قامت بعض الدول بزيادة رواتبهم حتى أنها تجاوزت رواتب الكثير من المهن الأخرى، لأن ما يقدمونه يزيد كثيرًا عن إنتاج الذين يجلسون في مكاتبهم لخدمة الناس، وعندما يكون الحر سببًا للتقاعس عن العمل يكون "سمر الجباه" آخر من يتقاعس.
وعلينا في كل المستويات الوظيفية والاجتماعية أن نطالب بحقوق أخرى للذين تزداد هممهم عندما تفتر هممنا، فليس لهم من يمثلهم في المجالس النيابية أو المجالس السيادية الأخرى. وليس هناك الكثير ممن يتذكرهم ويطالب بحقوق تعمل على وضع الأمور في نصابها، فهناك الكثير من الدول قد عملت على تحسين أوضاعهم بعلاوات خاصة، ترتبط بخطورة المناخ على حياتهم، وتعويضات كبيرة نسبيًا نتيجة أي ضرر يلحق بهم خلال ساعات العمل.