الحديث ُ الماتعُ الّذي أَدّلى به دولة سمير الرفاعي إلى قناة المملكة المتلفز مؤخراً، وقبله اللقاء الحواري مع هيئة شباب كفرسوم، وبعده لقاء مجموعة الشباب الأردني الثمان ذوي الاتجاهات والتيارات الفكرية المختلفة، وبعده - أيضاً - لقاء نساء وشركس ومسيحيين وفعاليات من بدو الوسط، كلها تُعدُّ أحاديث سياسية مفيدة، تقوم على تبادلية الآراء وقرض الأفكار من مكامنها وطرح القضايا المحلية على طاولة النقاش والحوار البّناء، يتخلله مرونة دولة الرفاعي في تجاذب أطراف الحديث حول القضايا الساخنة على الصعيد الوطني، وما يتعلّق بالمهام الموكلة للجنة الملكية، وعلى يقين تام بأنّ حديث دولته يُمثّل لحظة من لحظات التنوير السياسي السائد على الساحة المحلية، الّذي يُعَدُّ علامةً فارقةً في استراتيجية السياسة الأردنية الحالية، لم نعهده من ذي قبل إلا في عهد رئاسة دولته للحكومة عام ٢٠١٠م، حينما ظل، وما زال، الحوارُ مع قطاع الشباب والهيئات الشبابية والأحزاب السياسية هاجسهُ، ميزته في حواراته المرنة، أنه لا ينفك عِقُدها الفريد ولا ينفصل ولا ينفصم عُراه مع كل فئات المجتمع الأردني.
ولَعَمري، أن تلك الأحاديث وهذه الحوارات الثرّية كشفت ليّ اللثام عن ذهنية عبقرية تُضافُ إلى سجل مفردات سيرة دولة الرفاعي ومسيرته السياسية الوثائقي المعروفة، وأُكرر "المعروفة" وهذه السيرة وتلك المسيرة الطويلة المعروفة، رُبّما تكفيني مَأونة الحديث؛ لأنَّ دولة الرفاعي معروفٌ، والمعروفُ لا يُعَرّف.
ولكن ما يُمكنني التعريف بهويته تحت أنوار الأنواء الساطعة، هي صفة "الفحولة" التي تُضاف -بعد اكتشافها- إلى سِفر تكوين سيرته ومسيرته، خصوصاً أنّ جذوة الحراك السياسي ومستحقات إصلاحاته وتعديلاته الدستورية التي نشهد، تحكُمُهُ ثقافة القوة والتمكين والرّجولة المطلقة الذي يتصف بها، هي المؤثر الأساسي الذي تدفعني في اختيار عنوان مقالي هذا.
إنّ السياسي الكبير ذو الحكمة والرأي السديد، دولة الرفاعي، يتفنن في عمله ويخلص فيه أَيما تفنن وإخلاص من جهة، ويِجوّد المهمة الملكية الموكلة إليه، ويُحسن القول والتصرّف والنظم بعيداً عن الضغوطات والتأثيرات والمؤثرات من جهة أخرى.
وتعني ليّ فحولة دولة الرفاعي بخاصّة "التفرّد بالتميز" وهي مَزية وفضيلة لا تتوافر في غيره، وكم هي حاجتنا تارةً، وحاجة الوطن لمثل عقليته تارةً ثانية، كما أن شخصيته القوية رافعة مهمة في وقتنا العصيب، والقريبة كل القُرب من سقوف أمالنا وطموحاتنا وأحلامنا وهواجسنا ومطالبنا وطلباتنا الرّسمية والشعبية، وإنّ خيرَ من استأجرتَ الصادق الأمين، تارةً ثالثة.
وبعد متابعاتنا لحديث دولة الرفاعي المتلفز وسلسلة لقاءاته الرسمية والشعبية، يفرض حضوره علينا سؤال، جَدُّ مهم، يُخالج كل نفس مطمئنة، وهو: أين سيصل بنا دولة الرفاعي؟
ليس بعيداً، وسنراه بإذن الله قريباً، أن فحولة دولته وتميّزه بالتفرد، وتفرّدهُ المتميّز في سبك آليات عمل خاصّة في اللجنة الملكية هو الوصول إلى طي صفحة الماضي، وتجاوز كل ما كان ماضياً من قوانين وتشريعات ناظمة لحياتنا السياسية، مثل: ما كان سائداً في قانون الانتخاب وحاضراً في قانون الأحزاب السياسية، وما يتعلق منه بقطاع الشباب الأردني والمرأة الأردنية وإدارتنا المحلية وشأننا المحلي، ولكن كيف؟
إنّ دولة الرفاعي وبعقله الاستراتيجي وبحكمته السديدة وتفتق فحولته وذهنيته المتميّزة يسعى من وراء هذا وذاك إلى إحداث التغيير الحقيقي والتحديث الإيجابي نحو:
١- مأسسة التحوّل الديمقراطي وصيرورته المطلوبة من خلال القوانين والتشريعات الخاصة به، وأثرها على وجوه التنمية المحلية.
٢-تحقيق الاستقرار في القوانين والتشريعات -ما أمكن ذلك- وأثره على التنمية السياسية.
ولكي تتضح الصورة بشكل أكثر -القارئ الكريم- فإنّ التحوّل الديمقراطي السليم الذي يسعى إليه دولة الرفاعي، من خلال مخرجات اللجنة الملكية وتوصياتها المقبلة، ستؤدي بنا إلى إحداث النمو الاقتصادي وتعديل ميزانه التجاري وتخفيض الضرائب المختلفة وزيادة القوة الشرائية وتخفيف عبء تكاليف الحياة المعيشية للمواطنين وتوثيق عُرى الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ودولة الرفاعي يعكف على إحداث تحوّلات جذرية عميقة وفي العمق من أجل بناء علاقة ثقة جديدة بين المجتمع والدولة، وعلاقة ودّ حقيقية على هوية وطنية جامعة، ووفق مبدأ المساواة والعدالة والإنصاف بين المواطنين من حيث الحقوق والواجبات تارةً؛ لأنَّ الصيرورة الديموقراطية مرتكز أساسي من مرتكز الدولة الحديثة التي تُحدّث أدواتها وقوانينها وتشريعاتها وسياساتها، وأنّ البُعدَ عن هذه التحوّلات تُعطّل علينا مبادرات اقتصادية واستثمارية وصناعية وتجارية وزراعية، وهذا البُعد ما لا يريده دولة الرفاعي.
أمّا، وأمّا تُفيدُ التفصيل،عن الاستقرار في القوانين والأنظمة والتشريعات -ما أمكن- التي يعمل دولته على إنجازها وإخراجها بصورة لائقة دستوريًا وقانونياً، فإنّ دولة الرفاعي يؤمن إيمانًا كاملاً بحالة التوزان الّذي لا بُدّ أن يكون قائماً بين حاجات الناس والاستقرار التشريعي؛ ممّا ينعكس بالإيجاب على حياة المجتمع الأردني، وما يُقدّمه المسؤول العام من نشاطات تنموية أو مشاريع إصلاحية أو توزيع المكاسب على كافة المحافظات، وما يحقق السلم المجتمعي المنشود والتنمية البشرية التي تشمل تنمية الموارد وعدالة توزيعها.
ففي ظل سخونة صفيح المشهد السياسي الحالي نشهدُ بأن دولة الرفاعي يسيرُ بخطى ثابته تدعمه -أيها المشككون- إرادة سياسية حقيقية تؤمن إيماناً يقينياً بضرورة إحداث التغيير والتحديث المطلوب من جهة، وتسندُهُ ضمانات ملكية للسير قدماً بإجراءات دستورية وقانونية لإقرار جهود دولة الرفاعي وأعضاء اللجنة الملكية عبر القنوات الدستورية والبوابات القانونية، فماذا أنتم فاعلون يا ثلة الشك والرفض وإسناد الفضل إلى أهله؟
وإنّ مبدأ "الفحولة" الذي جعل "الأصمعي" يُطلق له عنان الانتشار والشيوع، ومن بعده تلميذه في الفكر "محمد بن سلاّم الجُمحي "صاحب كتاب "طبقات فُحول الشعراء" وضع لنفسه معايير ومقاييس لتصنيف الشعراء الأفذاذ المبدعين في طبقات عشر، فكما وضع من يُظهر تميزه وتفرُده وعبقريته وغزارة إنتاجيه وتنوّعه ورؤيته الخاصّة للعالم وحاجة الجمهور لفنّه وإبداعاته وضعه في الطبقة المرموقة الأولى دون منازع، فلا يُخالني الظّن في أنّ دولة سمير الرفاعي في المستوى نفسه وأبّلغ، في التفرّد بالتميز وقدرته الأكيدة والمؤكدة على إحداث التغيير والتحديث المطلوب وفق الخطبة الملكية وأوامرها السامية.
وأمام حكمة هذه الفحولة وعظمتها وقدرتها على تحقيق المطلوب بنجاح باهرٍ، يقفُ عُصاة الإصلاح السلبيين في حيرة من أمرهم، وفي صدمة كهربائية ضخمة؛ لأنّ الشعبَ اكتشف خُبث النوايا ومتصنعيّ الودّ والقُرب للوطن، وقلوبهم غُلُف، سوداء كالقطران، وأفعالهم ونفث إشاعاتهم وفتنهم ودعاياتهم كالغرابيبب السود، ونظراتهم للمنجز الحالي كنظرة اللئيم الأثيم، قبيح القول والفعل، انسحب عليهم قول الشاعر وتقاطع:
إنْ اللئيمَ بِقُبْحِ القَوْلِ تَعْرِفَهُ وَبالِحِوارِ طِبَاعُ النَّاس تُكْتَشَفُ
فَنَّ التَّخاطُبِ ذَوْقٌ لَيْسَ يُدْرِكَهُ إلاَّ كَرِيْمٌ بِحُسْنِ الخُلقِ يَتَّصِفُ