منذ سنوات والملك يتحدث ويكتب مقدماً رؤيته للحياة السياسية الأردنية وبنيتها، حيث الحكومات البرلمانية القادمة من كتل حزبية برامجية، اي ان تتم الانتخابات وفق كتل برامجية، وان يكون مجلس النواب مجموعة من الكتل التي تقوم على أسس برامجية حزبية ويكون للاغلبية سواء كانت لحزب او ائتلاف حق تشكيل الحكومة بحيث تكون هذه الحكومة تعبيرا عن ارادة شعبية، وهذا النموذج هو الذي يجسد فكرة الحكومة المنتخبة، لان الحكومات لا يتم انتخابها بشكل مباشر بحيث ينتخب الناس وزير التربية ووزير الاوقاف والمالية.. لكن الناس تنتخب حزبا او احزابا تشكل اغلبية البرلمان وتشكل الحكومة.
وهذا الفكر الملكي تعرض لمحاولة تطبيق لم تنجح عند تشكيل حكومة د.عبدالله النسور عام ٢٠١٣ لكن الطريقة كانت ارتجالية لانه لم تكن لدينا كتل حقيقية في المجلس وتشكيلة البرلمان لم تقم على اساس حزبي وبرامجي وكان الاختيار لشخص الرئيس مرتبكا فالصورة لم تكن مكتملة.
مشروع الملك جوهره موجود في نماذج مثل المغرب، حيث النظام الملكي وبرلمان حزبي وحكومة اغلبية برلمانية اي حكومة برلمانية، وهو نموذج كان لدينا في الاردن في منتصف الخمسينات، والملك يسعى الى الوصول الى هذا النموذج في الحكم بحيث يكون الناس من خلال كتل برلمانية ذات اغلبية هم أصحاب السلطة التنفيذية مباشرة.
وحين يتحدث الملك عن مشروعه السياسي بالحكومات البرلمانية فهو لا يريد تحويل النواب الى وزراء بل تحويل مجلس النواب الى كتل حزبية او ذات برامج ينتخبها الناس ويكون لها حق تشكيل الحكومة وفق برامجها.
ولعل فكرة لجنة تحديث المنظومة السياسية هي البوابة التي اختار الملك ان يأخذ من خلالها خطوات عملية بهذا الاتجاه، وهي خطوات تحتاج الى تطبيق لسنوات طويلة حتى يتحقق النموذج الذي يريده الملك.
اللجنة الملكية ستقدم توصياتها خلال اسابيع، وهي اجتهادات ستخضع للنقاش من الناس وللاقرار من مجلس الامة، وهنا علينا ان نفرق بين مشروع الملك الذي يسعى لنقلة نوعية في الحياة السياسية الاردنية، وبين ادوات تنفيذ المشروع، فتوصيات اللجنة من الادوات المهمة لانها تتعلق بالقوانين والدستور، وربما يكون بعض التوصيات شكلياً ولا يخدم مشروع الملك وتحتاج الى تصويب وتعديل، ولهذا فان ما بعد خروج التوصيات مرحلة مهمة هي رأي الناس وأصحاب الخبرة ورأي مجلس الامة، والغاية ان نصل الى افضل الادوات لتحقيق المشروع السياسي للملك.
ولعل من الخطوات المهمة التي تخدم المشروع والعمل الحزبي مبادرة الاحزاب لاصلاح واقعها، فنحن لدينا أحزاب لكننا لا نملك حياة حزبية ولهذا فالاحزاب غائبة، طبعا الاسباب عديدة لكن جزءا منها يتعلق بالاحزاب التي عليها ان تذهب باتجاه فكرة التيارات، لان وجود كوتا للأحزاب في البرلمان سيفهمه البعض دعوة لتكاثر الاحزاب او الذهاب للعضوية الشكلية في الاحزاب لغايات الترشح وسنكون امام مزيد من ضعف الاحزاب حتى لو كان لدينا اربعون نائبا حزبيا.
الوصول بمشروع الملك الى التطبيق الكامل لن تحققه كوتا الاحزاب فقط بل يحتاج الى عمل على الارض من الاحزاب والدولة، والا فسيكون وجود التمثيل الحزبي شكليا في البرلمان تماما مثل الكتل النيابية اليوم حيث النظام يفرض على النائب التسجيل في كتلة لكنها كتل تقوم على التوافق الشخصي وليس البرامجي او السياسي.
مشروع الملك مهم جدا للانتقال الى شكل جديد في الحياة السياسية لكنه يحتاج الى بنية تحتية حقيقية وبناء حياة حزبية وليس تكاثر عدد الاحزاب او منحها كوتا في البرلمان فقط.
(الرأي)