أومن, وليقل عني السطحيون الخفيفون ما يشاؤون, بأن الضمانة الأولى والأهم لإستقرار الأردن وقوته في مواجهة الصعاب والمفاجآت, هي في معادلة من ثلاث مفردات لا رابع لها.
المفردة الأولى هي وحدة وتعاضد صف العشيرة الهاشمية بجميع أعضائها حول العرش والملك, والثانية هي وحدة صف الأردنيين, كل الأردنيين بلا إستثناء, وبإنتماء صادق نقي للوطن, وللعرش والملك, والثالثة هي مودة وإخلاص ووفاء متبادل بين الأردنيين الشعب الكريم, والهاشميين القادة الكرام.
تلك قناعة راسخة علمتني إياها تجارب وخبرات السنين وما حملت من أحداث وتطورات , عرفت خلالها وكغيري, من هم رجال الدولة الحقيقيون الذين يؤثرون الأردن على أنفسهم وعلى مصالحهم حتى لو كان بهم خصاصة , ومن هم المتسلقون المتنفعون الذين يسخرون الوطن خدمة للذات وللمصالح الخاصة وبأساليب شتى !.
ذلك أمر شائك يطول شرحه , وما أردت الحديث فيه في هذه العجالة, هو ما أثارته تلك الصورة المعبرة للقاء عائلي بين صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال, وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني , وأقتصر حديثي وبإختصار, عن " الحسن " كنز الخبرة والحكمة والصدق والواقعية في قراءة الحاضر وإستشراف المستقبل , والكفاية الفائقة في إبداء الرأي الصائب والنصيحة المثلى والمشورة المعمقة .
ميزة الأمير الحسن أمد الله بعمره , أنه ولعقود طويلة من عمر الدولة , كان في حركة دائبة ذات جدوى أتعبت مرافقيه والعاملين بمعيته , ولم تتعبه هو عافاه الله , فلقد جاب البلاد طولا وعرضا مرات ومرات , عرف كل شبر فيها, وما هي مقوماتها , وكيف يمكن توظيفها في خدمة الوطن , وقد فعل وفعل ولا ينكر ذلك غير جاحد ناكر .
الأهم من ذلك , عرف سموه الناس عن قرب , وخبر الرجال ومعادنهم وقدراتهم وحتى كم هي أوزانهم في مجتمعاتهم , وكم هم مؤثرون إيجابيا أو سلبيا ولم يهادن.
الأمير الحسن بن طلال , إنسان عملي ينبذ الكسالى محبي القعود , ويقرب ويقدر النشطاء الفاعلين المبتكرين , مخلص للوطن بلا حدود , حريص على وحدة وتلاحم صف العشيرة الهاشمية, لإدراكه العميق للأهمية القصوى لهذا الثابت , يقول للمصيب أبدعت , وللمخطيء أنت على خطأ, والصواب هو كذا وكذا .
مفكر صامت كثيرا, متحدث قليلا, شأن كل مفكر , علم مسؤولين كثر, وبالقدوة , أن عملهم ميداني أكثر منه مكتبي إن كانوا حقا على قدر المسؤولية . وأستذكر هنا وعلى سبيل المثال لا الحصر , ما قاله لي وزير أشغال أسبق , كيف أن مكتب سموه طلب منه ومن وزير آخر مرافقته لتفقد خسائر سيول جارفة حدثت في وادي الأردن ذات شتاء . يقول الوزير نزلنا وزميلي بكامل أناقتنا بدلة رسمي وربطة عنق , وفي الموقع كان الأمير بلباس الميدان, نظر إلينا فقط , لكنه أعطانا درسا لا ينسى دون أن يتكلم, إذ تعمد أن يسير وسط مجرى السيول ليتجاوزها ماشيا, ونحن إلى جانبه نخوض المواقع معه بمائها وما خلفت من طمي.
عرفت حينها " يقول الوزير " أن الأمير يقول لنا دون أن يعاتبنا , هذا عمل ميداني مشرف له لباسه, سواء كنت وزيرا أو في أي موقع مسؤولية أنت .
يطول الكلام , وما أريد قوله أن" أبا راشد" الحكيم المخلص للعرش الهاشمي وللوطن, والحريص على صلابتهما معا , هو" كنز " خبرة ورأي ومشورة وفكر في كل الأمور , وبالذات, في فراسة معرفة وتبيان معادن الرجال وما في صدور الرجال, من يؤتمن جانبه ومن لا يؤتمن , ومن هو قادر مؤهل لقيادة رأي عام في المجتمع ومن هو غير ذلك , ومن هم المخلصون حقا للوطن وللعرش من دون بحث عن مغنم , ومن إستخدموا ويستخدمون الوطن خدمة لأنفسهم ولمحاسيبهم ولأقربائهم والمنافقين المقربين منهم , من يحملون سمة رجال دولة بحق , ومن هم غير ذلك .
قبل أن أغادر , الأمير الحسن بن طلال , رجل متزن يتوفر على كم هائل من الخبرة والدراية في الجغرافيا والديمغرافيا والتنمية أردنيا , والسياسة الإقليمية والعربية والدولية وما تخفي وما تعلن ,والأحداث والتطورات على مدى سنين خلت, تؤكد أن لا هوى عنده سوى هوى سلامة الأردن, وصلابة شعبه, وعرشه الهاشمي ومليكه , ومن هنا , فهو " نبع " رأي سديد مؤهل لأن يكون مرجعا موثوقا, لقول الحق , وإسداء النصيحة والمشورة الآتية من خبير كبيرمؤتمن صادق, لسائر مراكز القرار .
حمى الله الأردن وشعبه ومليكه وجيشه ومؤسساته ونصره على كل صعب وخطب وخصم وعدو . وهو تعالى من وراء قصدي .