أشعر بالجفاف في الحلق وبعض الاكتئاب في الروح بينما أتخيل الكاتب الألماني أرنست تولر الذي ألف كتابا من 470 صفحة يفضح فيه النازية ويعريها أمام الشعب الألماني. كان ذلك في سنة 1933عام صعود النازية، وقد أمر هتلر بأن يبتلع المؤلف أرنست تولر جميع نسخ كتابة المذكور أعلاه.
أتخيل المستر تولر وهو يمزق الصفحات ويلوكها بتؤده، محاولا البقاء قيد الحياة لأطول مدة ممكنة، أتخيله يوجه نقدا ذاتيا الى نفسه، بسبب الحجم الضخم لكتابه. أما كان من الممكن أن يلخّصة الى 150 صفحة مكثفة من الحجم الصغير مثلا؟؟ أما كان من الممكن أن يتخلى عن المقدمة التاريخية..؟؟؟ أما كان من الممكن أن ينشر كتابه باسم مستعار.. أما كان.. أما كان.. أما كان، أما كان الأفضل له لو كتبه على جلد حيوان، أو على مفارش من «قمر الدين»؟.
ما كان بالإمكان الا ما كان، وقد مات المستر تولر خلال عملية هضم الكتاب. لكن حياته استمرت بالتأكيد بواسطة الكتاب المهضوم، الذي لا أعرف عنه شيئا، لكني أتوقع ان نسخا منه قد طبعت بعد هزيمة هتلر في الحرب العالمية الثانية، وأعيد الاعتبار للمؤلف.
أتخيل الكاتب العربي ايضا الذي وضع لنفسه رسالة وهدفا وسعى لنقد اخطاء مجتمعه، أتخيله مجبرا كل يوم على ابتلاع ما يكتب.
اكتب.. انتقد.. اصرخ.. اتهم، ولن نأبه ولن نرد عليك.. هذا ما يفعلونه معنا كل يوم تقريبا، فنضطر كل ليلة الى ابتلاع ما نشرناه في الصباح، لدرجة اننا أدمنّا على ابتلاع ما نكتب، فصرنا نكتب لنبتلع.. ونبتلع لنكتب.
جاء يوم في المانيا... وقاموا بتكريم مبتلع كتابه المستر أرنست تولر.. فهل يجيء هذا اليوم للكاتب العربي الناقد ذات قرن؟؟؟.
وتلولحي يا دالية
الدستور