الرؤية الملكية: الحوار الوطني وتماسك الجبهة الداخلية
أ.د. عبدالله العنبر
07-08-2021 08:47 PM
إنّ المسؤوليات التي يفرضها الواجبُ الوطنيُ في هذه الظروف الحرجة من حياة الوطن والأمة هي المصارحة والمكاشفة والحوار الوطني لوعي الحقائق واستشراف النتائج المتوقعة، فلا بُدَّ أنْ تنصهر الجهودُ الوطنيةُ في مسيرةٍ واحدةٍ، وأنْ يُدرك أبناءُ هذا الوطنِ أنَّ التحديات التي تَعصِفُ بالمنطقة والعالم تُؤثرُ على مصير هذا الشعب والوطن وأمن هذه الأمةِ ومستقبلها.
وهنا تتجلى ضرورةُ إجراء حوارٍ يهدفُ لمراجعةِ القوانينِ الناظمةِ للحياةِ السياسيةِ وأنْ تُدعى لهذا الحوار الأطياف المختلفة، ويؤكد جلالة الملك عبدالله الثاني ثوابتَ الموقف الأردني موضّحاً أنّ: "الحوار الوطني هو منهجنا والنهوض بالمواطن الأردني وخدمته هو هدفنا كما كان عهد الحسين دائما،ً فقد تعودنا على التوقف عند كل محطة ومرحلة في مسيرتنا الوطنية لإجراء مراجعة شاملة لتقييم الإنجازات الوطنية والبناء عليها، ومعالجة جوانب الخلل إنْ وُجدت في هذه المسيرة على الأصعدة كافة".
والملاحظ أن دعوة جلالة الملك عبد الله الثاني للمراجعة الشاملة من خلال الحوار الوطني جديرة بتحريك القوى السياسية لرسم الخطط والبرامج وإظهار الأولويات لإنتاج التغيرات وقيادة التحولات بما يناسب التنمية الشاملة، وهذا يفرضُ وضعَ المعايير التي ترتقى بتطوير القوانين الناظمة للحياة السياسية والاقتصادية بما يُسهم في التنسيق بين مختلف المؤسسات.
والمطلب الجوهري الذي يبدرنا في المراجعة الشاملة مفادهُ أنَّ الشعارات الطوباوية والخطابات المنفعلة لم يعد لها مكان في ظل التحديات الراهنة. وتُقام هذا المراجعة الشاملة على وعي مؤداه أنَّ كثيراً من المرجعيات الاقتصادية والثقافية إذا بقيت قارةً كما هي لن تكونَ قادرةً على مواكبة التحديات الحضارية، والمدخل المطروح للحوار هو المراجعة الشاملة التي تُشكل منهجاً من مناهج التخطيط والبناء والتقويم المستمر لوجوه الإنجاز الوطني، فالمراجعة هي إعلانٌ عن سيرورة الجهود الوطنية في حراكٍ يواكب المتغيرات المحلية والعالمية إذْ تقتضي هيكلةً بنائيةً تُظهر الأنساق التي يصدر عنها الواقع، ويُنظر لهذه المراجعة على أنَّها منهج لإحداث التغيير المطلوب بوعيٍ يكون قادراً على قيادة التحولات بما يناسب التنمية الشاملة.
وهذا يقتضي وضع المعايير التي ترتقي بالتطوير الإداري ارتقاءً جوهرياً يُسهم في التنسيق بين القطاعات، وتُجسد هذه المراجعة التي يطرحها جلالة الملك عبد الله الثاني منهجيةً موضوعيةً تدرس الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وتتخذ القرارات المخطط لها، وترسم البرامج للنهوض بمتطلبات خطط التنمية استجابة لمطالب التغيير بما يناسب التسارع المعرفي العالمي.
وهكذا يتضح أنَّ تبني السياسات الواضحة وبيان الإطار المرجعي الذي تصدر عنه هذه المراجعة يُسهم في رفع الكفايات وإظهار الأولويات والتعرف على ما يعترض سبيل التقدم. وهذا يؤدي إلى تطوير البرامج السياسية والاستفادة من التقنيات الحديثة التي تُسهم في تشكيل تحولات عميقة تواكب مطالب العصرنة.
وصفوة القول أنَّ جلالته يستشرف مفردات المشهد الأردني في نسقٍ فكريٍ يرسُم القاسم المشترك للاتجاهات السياسية على اختلاف مشاربها، وهكذا يُشكّل هذه الرؤية البنية الأساسية التي تتلاقى عليها أنظار الأردنيين، لأنّه الإطار الفكري الذي تحتكم إليه القوى السياسية بحثاً عن تكامل المنجز الأردني، فقد جاءت هذه الرؤية لمراجعة الذات لتأخذ مكانها في خضم التحديات التي تعصف بكيان الأمة.
ويصدر الحوار الوطني عن تماسك الجبهة الداخلية التي تشكل إستراتيجية يترتب عليها استقرارُ الوطنِ في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تقتضي المحافظة على هذه المرجعية والنخب الثقافية مطالبةٍ بحماية النسيج الوطني وفق خطاب يؤسَسُ على التشاور وتنسيق الجهود للتصدي لأي محاولة تسعى للنيل من استقرار الوطن، ويستشرف جلالة الملك عبد الله الثاني المشهد السياسي الأردني بوعيٍ حاد مفادهُ: أنّ الوحدة الوطنية أمانة في أعناق الأردنيين، وهي ركيزة الاستقرار، وهم مطالبون بالتصدي لكل مَنْ يحاول الخروج عن القانون أو العبث بالأمن والاستقرار، وأنَّ وعي الأردنيين وإرادتهم القوية وتماسك جبهتهم الداخلية عناصر جوهرية للتصدي لأي مؤامرة تحاول المساس بأمن الأردن واستقراره.
فالوحدة الوطنية مصدر اعتزاز وطني وهي أمرٌ مقدّس وخطٌ أحمر لا يسمح لأحدٍ أنْ يتجاوزه بأيّ شكلٍ من الأشكال. وتماسك الأسرة الأردنية مرايا تُعبّر عن صدق الولاء وتجليات الانتماء للدوحة الهاشمية. فالجبهة الداخلية المتماسكة هي التي تصون الأردن وتحمية وتعزز تطوره وازدهاره.
وهذا يقتضي تجميع القدرات في اتجاهٍ محدد، وتوجيه القوى السياسية صوب التطلعات النابعة من المصلحة العليا للوطن. فالخطاب الوطني مطالبٌ باليقظة المنهجية نحو حقيقة جوهرية أرادها جلالة الملك عبدالله الثاني بقولهِ: ((الأردن القوي هو الأقدر على القيام بواجباته القومية، ولا تعارض بين أنْ تبني وطنك وأنْ تقف إلى جانب أشقائك)) فهذا الوعي يُعرب عن اعتزاز الأردن بانتمائه لأمته العربية والتصدي لجمع كلمة هذه الأمة لوضعها في الموضع الذي يليق برسالتها الحضارية ودورها الإنساني العظيم.