أثارت حادثة الصراع على الكرسي بين النائب ورئيس الوزراء في نفسي خواطر تاريخية وواقعية . ففي التاريخ وفي كل البقاع كان هناك صراع على الكرسي رأيناه في كسرى الفرس وأولاده ، ورأيناه في معركة صفين ، ورأيناه في بطولات الحجاج وأبي العباس السفاح ، ورأيناه في اغتيال شجرة الدر لزوجها أيبك ، ورأيناه في مسلسل الانقلابات العربية الثورجية ومهازل الضباط الأحرار وما سمي بقصة الفتنة عندنا مؤخرا" .
وذكرتني حادثة البرلمان بكرسي غوار الطوشة حيث كان يعتقد أن الكرسي فيه كنز ، وهو اعتقاد أصحاب الكراسي لا على طريقة غوار بل لأن الكرسي مكان للنهب والسلب حتى صار الكرسي طريقا" للحصول على قصر بعد دفع الثمن بضرب اقتصاد البلد بمديونية دولية كان أشهرها اقتراض صاحب كرسي ستة مليارات دولار ، فلتقع النكبة للبلد و الشعب والعملة ما دام الكرسي سيأتي بقصر أو رصيد أو امتيازات. ولم يعد الأمر محصورا" في " دولته" بل انتقل الأمر " لمعاليه" ليطلب بيتا" بعظمة لسانه ليكون عبدا" بعد ذلك لأوامر تأتيه صباح مساء . فعلا" كرسي غوار فيه كنز وكرسي المسؤولين فيه كتوز .
كشف الصراع على الكرسي هزالة حالنا السياسي فالنائب على ما يبدو يأس من مجلسه الذي لا يسحب الثقة من حكومة ضعيفة ولا من وزير ولا يغير سياسة ولا يرد قانونا" فراح باتجاه العمل الفردي ليخطف الكرسي في تعبير سياسي قوي ومشهد درامي لا بد أن يلتقطه الصديق الفنان سمعة" مو سى حجازين" ويقدمه لجمهوره مشهدا" سياسبا" معبرا" عن حالنا السياسي مع التركيز على توسل الرئيس لرئيس المجلس ليعيد له الكرسي الثمين مع انه كان بمقدوره الجلوس على أي كرسي ليقطع الطريق على النائب وليعطه " شوطة" رئاسة . لكن الرئيس غابت عنه البدائل وظهرت إدارة المجلس بصورة لا نحب وهي تكرر الطلب للنائب دون أي استجابة أو نظر من النائب المحتج . لعبة الكرسي ذكرتني بتاريخ الطفولة المدرسية يوم كنا نقول : جلس مكاني وأخذ مقعدي .
كشف كرسي غوار وكرسي البرلمان المستوى الذي وصلنا إليه فهل هذا الحال يعجب من يفصلون البرلمان و يوزعون المقاعد ؟! هل النواب الأفراد هم الذين سيطورون الحياة السياسية؟ هل حكومات اليانصيب وحكومات الفجأة تليق بشعب متعلم؟ وهل حكومات الموظفين قادرة على مواجهة الزلازل حولنا بينما أربكها نائب فرد وأشغلها كرسي ؟! فانكشفت عورة العمل النيابي والحكومي ؟ . لا حل لنا الا ببرلمان سياسي وحكومة سياسية وانتخابات نظيفة يديرها قضاء نزيه و بغير ذلك ستستمر المهازل وقد نرى في مقبل الأيام نائب يحضر معه آلة موسيقية ليعزف مؤيدا" أو معارضا" للحكومة ، ولا مانع من احضار صافرة حكَم ، ولا مانع من مجيئه بلباس رياضي أو شورت مع شعر ملون سبايكي وإنا لمنتظرون للمزيد من الاختراعات النيابية .