دور مؤسسات التعليم العالي في تفاقم مشكلة البطالة
د. محمد الخطايبة
05-08-2021 10:48 AM
أثناء حديث أحد الزملاء المخضرمين قال "أنه من السهل على الدولة أن تبني جامعة ولكن من الصعب أن تبني مصنعًا".. إن محاولة الدولة الأردنية التغلب على معضلة البطالة منذ عدة عقود ما زالت مستمرة إلا أنها تتفاقم مع مرور الزمن.
يطالب العديد ومن بينهم نخبة من الاقتصاديين برفع نسبة النمو الاقتصادي لحل مشكلة البطالة, على الرغم من أن الأبحاث العلمية المبنية على نموذج علمي والمتخصصة في الشأن الداخلي تشير إلى أن تخفيض نسبة البطالة بمقدار 1% قد يحتاج إلى أكثر من 3% من النمو في الناتج القومي الاجمالي، وهذا يحتاج إلى معجزة اقتصادية لطبيعة تركيبة الاقتصاد الأردني.
أقدم هنا مثالًا, القطاع المصرفي الأردني يشكل أكثر من 17% من الناتج القومي الإجمالي، ويقدم ما لا يزيد عن 13 ألف فرصة عمل مباشرة, مما يعني أن مسألة التوظيف تحتاج إلى تفكير من نوع آخر وليس فقط النمو في الناتج القومي الاجمالي الذي نركز عليه، إذ أنه ليس حلًا كافيًا للحد من البطالة في الأردن، ولا يمكننا اعتباره الحل الوحيد.
تحدي التعليم العالي: مشكلة في الطلب أم العرض؟
أظهر التعليم العالي في الأردن غياب التنسيق بين مؤسسات الدولة فيما يتعلق بنظرة شمولية لمواضيع البطالة ومعالجتها, وأعرض هنا ما تقدمه الجامعات من معيقات تساهم في تفاقم مشكلة البطالة على المستوى الوطني، حيث تسعى مؤسسات التعليم العالي في الأردن إلى رفد موازناتها على حساب مشكلة البطالة، وذلك من خلال إضافة فصول دراسية للعام الأكاديمي لتسريع عملية التحصيل الآني للإيرادات كما حدث إبان تقسيم مدة الفصل الدراسي الصيفي ليصبح فصلين صيفيين خلال العام الأكاديمي الواحد, ليتمكن الطالب بذلك انهاء متطلبات التخرج بأقل من المدة الزمنية المتوقعة بعام دراسي، والالتحاق بسوق الخريجين من حملة البكالوريوس، الأمر الذي سينعكس سلبًا ويُعقد مشكلة البطالة أكثر وأكثر. لله الحمد تخلصنا من هذا الباب المؤرق.
أما هذا العام وتحديدًا خلال الفصل الدراسي الصيفي، نجد عددًا من الجامعات تسمح للطالب بتسجيل 18 ساعة معتمدة لرفد الجامعات بالسيولة وتحقيق ايرادات قد تكون على حساب معضلة الحد من البطالة. إن الظرف الاستثنائي واستغلال البعض لأوامر الدفاع يستوجب على صانع القرار أن لا يفاقم من مشكلة البطالة، والعمل على الحد من سرعة الجامعات المبالغ بها برفد طلبتها لسوق العمل، واعطاء وقت أكبر ليستطيع الاقتصاد تحمل تبعات الاغلاقات والنمو السالب خلال العام المنصرم، وذلك بتقليص عدد الساعات المسموح للطلبة بتسجيلها خلال الفصل العادي "الأول والثاني" لتصبح 12 ساعة كحد أقصى، وأن لا تزيد عن 6 ساعات في الفصل الصيفي باستثناء الطلبة المتوقع تخرجهم، وليس ما تقوم به بعض الجامعات حاليًا ضاربة بعرض الحائط الوضع الاقتصادي الذي تمر به المملكة.
كما أن رغبة عدد من الطلبة باستغلال الظرف الاستثنائي وأوامر الدفاع المتمثلة بالدراسة عن بعد وآلية احتساب العلامات الأمر الذي حفز الطلبة ودفعهم لاجتياز عدد كبير من المواد الدراسية بأسرع وقت ممكن، بالإضافة إلى نظرة الجامعات وسعيها لتحقيق ايرادات آنية على حساب معضلة البطالة, أكد على وجود فجوة بين ما تعاني منه الدولة العميقة من مشاكل وبين أذرع الدولة من مؤسسات التعليم العالي والجامعات, بصرف النظر عن نوعية المخرجات في ظل الجائحة.
إن ارتفاع نسبة البطالة وما يترتب عليها من تبعات تؤثر على أركان الدولة كافة، تعتبر من المواضيع المؤرقة للأسر الأردنية، وإن كان تبرير الجامعات الرسمية لما تقوم به بأن الفطام الحكومي هو من أجبرها إلى اللجوء إلى هذه الطرق، إلا أن ذلك يفرض على الدولة العميقة وجوب الوعي بأن معضلة البطالة وتكاليفها الاجتماعية والاقتصادية أكبر بكثير من تكلفة دعم الجامعات، لقدرة الجامعات على تعظيم معضلة البطالة وخاصة حملة الشهادات من كافة المستويات.
كان أولى بأوامر الدفاع الموجهة للجامعات والمتبوعة بقرارات مجلس التعليم العالي ووزارة التعليم العالي والبحث العملي بأن تكون مكملة ومتجانسة مع حاجات الدولة، وتتماشى مع المصلحة العامة على المدى المتوسط والطويل، وليس ترحيل أزمات من أجل ارضاء الطلبة وأهاليهم والتركيز على موضوع النجاح والرسوب في المواد، مع تجاهل حقيقة تفاقم مشكلة البطالة، مع ضرورة عدم التدخل والحد من صلاحيات الجامعات التي تغرد لمصالح الايرادات على مصلحة الهاجس الوطني الأكبر وهو البطالة.