المشكلة ليست في قانون الاحزاب
د. اسامة تليلان
05-08-2021 09:52 AM
منذ عام 1992 تم اقرار عدد من قوانين الاحزاب وبعض التعديلات عليها الا ان الحياة الحزبية لم تشهد تغيرات فارقة وبقي المشهد الحزبي وخارطته يدوران في نفس المربع.
التعديلات التي شهدتها هذه القوانين والاختلاف فيما بينها تركز في اغلبه حول عدد المؤسسين وعدد فروعها وسن العضو المؤسس والعضو العادي وقد ثبت في العقدين الماضيين ان هذه العوامل لم تكن ذات تأثير على واقع الحياة الحزبية في الاردن.
لقد بقيت خارطة الاحزاب في جلها تشير الى ضعف مفرط وانعدام جدوى تأثيرها سواء في السياق السياسي او الاجتماعي، باستثناء فترات متقطعة شهدت فيها الحياة الحزبية بعض النشاط الا ان مرد هذا النشاط لم يكن يتعلق بالتعديلات التي طرأت على القانون بقدر تعلقه بالبيئة السياسة العامة التي شهدتها البلاد في تلك المحطات.
اذا لا عدد المؤسسين ولا سن العضو المؤسس ولا عدد الفروع اسهمت في انتاج حياة حزبية جديدة، ولا في ولادة أحزاب كبيرة ولا في حدوث ائتلافات حزبية مؤثرة، فقد استمرت ولادة احزاب صغيرة ذات طروحات عامة متشابهة تشبه حتى في ادائها اداء مؤسسات المجتمع المدني ذات الصبغة غير السياسية، والاهم من ذلك ان وصولها للبرلمان لم يتحقق بشكل منتظم ومؤثر في الحياة البرلمانية.
قانون الاحزاب من القوانين الجامدة التي لا تخلق لوحدها ميكانزمات وتفاعلات لإنتاج حياة حزبية فاعلة او غير فاعلة اذا المشكلة في عدم تبلور حياة سياسية حزبية تعددية ليست مشكلة القانون بشكل مجرد وحصري، وانما هي حاصل عدد من العوامل الاخرى، وفي الاطار التشريعي تجد اسبابها في قانون الانتخاب والنظام الانتخابي المتبع وفي نظام تمويل الاحزاب.
وباستثناء الشروط الضرورية العامة غير المعقدة بالتفاصيل لتأسيس الحزب وشروط حله ينبغي ان لا يحمل القانون شروط ذات صفة مقيدة وبعيدة عن المعايير الدولية مثل عدد المؤسسين والفروع وغيرها، واي شروط قد تكون ضرورية لجهة خلق تعددية حزبية واحزاب قوية سيكون موقعها اما في نظام تمويل الاحزاب او في قانون الانتخاب بمعنى تحويل الشروط والقيود في القانون الى معايير وحوافز في نظام التمويل وقانون الانتخاب.
فاذا اردنا احزاب كبيرة منفردة او من خلال ائتلافها يمكن لنظام تمويل الاحزاب ان يقوم بهذه الوظيفة من خلال وضع عدد من المعايير والحوافز، مثل ان تقر عتبة لدخول الاحزاب برنامج التمويل او لأخذ حصتها من التمويل وهنا يمكن ان تحدد العتبة بعدد الاعضاء في الحزب بدل ان يكون شرط العدد عقبة في قانون الأحزاب، اذ لا ينبغي ولا يجوز ان تحصل كل الاحزاب على التمويل او تحصل عليه بشكل متساوا اذا كنا نريد ان نشاهد احزاب كبيرة.
وكذلك ان يتضمن هذا النظام وجود معايير للدعم على اساس انتشار الحزب في المحافظات وتواجد المرأة والشباب بدل ان تكون شروط في القانون ووجود اعضاء في البرلمان والبلديات وغيرها من المعايير التي قد تتسع وقد تقل حسب الهدف المراد الوصول اليه بالحياة الحزبية.
والشق المهم الاخر هو قانون الانتخاب والنظام الانتخابي المتبع والعوامل المرتبطة به مثل اليات الاحتساب وحجم الدائرة الانتخابية وغيرها من العوامل المعيارية الاخرى، وفي مقدمة ذلك وجود مزايا وفرص يوفرها القانون للأحزاب في الانتخابات، وإذا ما اخذنا باتجاه القوائم المرتبطة بالأحزاب فالسؤال المهم هنا من هو الحزب الذي يحق له التقدم بقائمة انتخابية وما هي المعايير التي ستحكم تشكيل هذه القوائم.
مثل هذه المعايير في قانون الانتخاب وفي تشكيل القوائم وفي نظام التمويل هي من سيعمل على توفير الزخم والاليات اللازمة للبدء بخلق حياة حزبية جديدة يمكن ان تسهم في بناء برلمان على أساس القوائم والبرامج والكتل المستقرة والمستمرة.