فيما مضى كان لدينا ما أحب ان أطلق عليه " حزب أعداء النجاح " حيث كان هؤلاء يترصدون لكل من هو ناجح في مجاله ، ويحاولون النيل منه ، فقط لانهم يرونه أفضل منهم ، اليوم ، أُضيف لهم حزباً آخر هو حزب " السخرية من الانجاز " ، ففور بدء الانطلاق التجريبي للباص السريع ، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كم هائل من السخرية على هذا المشروع ، منها ما كان يتعلق بفكرة " سرعة " الباص ذاته ، حيث أنَّ حركته ليست بالسرعة المتوقعة - يذكر أنَّ سرعته القصوى تبلغ ٨٠كم/س - حيث غاب عنهم أنَّ المقصود بالسرعة هو سرعة تردده على المحطات وليس سرعة تنقله ، ناهيك عن سخرية المجتمع من نفسه حينما قرر بعض المواطنين الدخول على خط سير الباص والتسبب بتعطيل حركته وحركة المرور.
بالاضافة الى انتقادات موضوعية كان منها : هل من الممكن أن يكون هذا هو " الباص السريع " الذي كلّف الدولة مبالغ طائلة واحتاجَ الى ما يُقارب الأحدَ عشرَ عاما ليتم إطلاقه ؟ أضف الى ذلك الاختناق المروري الذي سببه طوال العامين الماضيين لتمهيد الطريق له ، ناهيك عن أسئلةٍ كثيرة " استنكارية " انتقدت هذا المشروع وقارنته بمشاريع أخرى ، لتؤسس صورةً نمطية لدى المجتمع ، وهي أن الفشل وعدم إتمام مشاريعنا على اكمل وجه هو عنوان هذه المخططات الوطنية.
في الحقيقة ، الباص السريع ليس إلا مثالاً ضمن عدة أمثلة على نظرة المجتمع الاردني لأي خطوة او فعل يمثل " بادرة " خير وإصلاح للوطن، وأنا لا أقصد هنا المشاريع التي تنفذها الحكومة وحدها ، بل أقصد أي فعل " فردي " يقوم به أي شخص ، فسرعان ما ينتشر "الامتعاض" والانتقاد الساخر بين الناس ، فهذه الافعال تبيّن كيفية تفكير المجتمع ، وعليه نستطيع تفسير " مزاجه " العام ، الذي يميل في الغالب الى "التشاؤم".
ما يبرع فيه المجتمع لدينا هو اجراء المقارنات الخاطئة ، التي تتم على أُسس غير صحيحة ، فينتهي بنا الحال الى الوصول الى نتائج سلبية لا ترضي أحداً ، فنقارن ما انجزناه بما انجزه بلد تأسس قبل تأسيس الأردن بثلاث مئة عام ، ولديه من الموارد الطبيعية والبشرية ما يشبع حاجته ويفوقها ، فهذه البلدان " المتقدمة " لم تصبح هكذا بين ليلة وضحاها.
نعلم أن الفساد وارتفاع الاسعار وغيرها الكثير منتشر في بلادنا ، ونعلم أيضا أنَّ هذه النظرة العابسة " التشاؤمية " التي ينظر من خلالها المجتمع الى ما يحدث في الوطن لم تأتِ من فراغ ، بل هي " نتاج " ما تراكم في الماضي وحتى الآن من تعثرات وإخفاقات ، لكننا رغم كل هذا نتقدم ، ولو ببطءٍ شديد ، فهناك من يسعى ويحاول أن يوصل بلده الى مراتب أعلى في كل مجال ، يحاول رغم الفساد ورغم العثرات وتعسّر الحال ، فذاك وحده يملك " التفاؤل " الذي يحتاجُ إليه مجتمعنا - وأي مجتمع - ليصل الى القمة .