عندما يصل الإنسان إلى سن الأربعين عاما يكون قد مر بتجارب كثيرة ، وحدثت في حياته تحولات هائلة على المستوى الشخصي والمهني والفكري والاجتماعي ، وبالنسبة لي شخصيا فقد مررت بكل تلك التغيرات ولكن أمرا واحدا لم يتغير حيث لا أزال حتى هذه اللحظة أملك نفس الشغف لمتابعة كرة القدم الذي ملكته عندما كنت في سن التاسعة أشاهد المنتخب التونسي يهزم المكسيك في كأس العالم ,1978 هذا الشغف استمر ليشهد الانتصار العظيم للجزائر على ألمانيا في 1982 متبوعا بالمؤامرة الألمانية النمساوية التي شكلت حتى الآن أكبر عار في كأس العالم ، والمباراة التاريخية بين فرنسا والبرازيل في العام 1986 والاداء المدهش للكاميرون في العام 1990 ونهائي الضربات الترجيحية بين البرازيل وايطاليا في 1994 والفرحة الأكبر بالنسبة لي في فوز فريقي المفضل فرنسا بكأس العالم 1998 بقيادة زيدان ومن ثم ألم الخروج من الدور الأول في 2002 وغضبة زيدان لشرفه في العام 2006 والتي تسببت في طرح المدافع الإيطالي ماتيرازي أرضا بالنطحة التاريخية ولكن أيضا خسارة فرنسا بعد خروج القائد.
ربما لا يعلم الكثيرون بأن بوابتي الحقيقية للدخول في الإعلام كانت من خلال الصحافة الرياضية ومن خلال كأس العالم بالذات. في العام 1990 كان كأس العالم في ايطاليا على الأبواب وقد جربت أن أكتب مقالا في صحيفة الرأي. أرسلت المقال عبر البريد وتفاجأت بنشره بعد ايام. ثم أرسلت مقالا آخر ونشر ايضا بسرعة شديدة. ثم استجمعت شجاعتي وذهبت لزيارة المحررين برئاسة المرحوم الأستاذ نظمي السعيد وعرفت على نفسي وفوجئت بمستوى الحفاوة الذي تلقيته وبعد حديث سريع قرروا أن يعطوني فرصة المشاركة في تغطية كأس العالم ولمدة شهر كنوع من التدريب الإعلامي.
بدأت في العمل في إعداد ملحق كأس العالم الذي ينشر في يوم بداية البطولة وبذلت جهدا كبيرا ونشرت عدة مقالات ثم بدأت أنشر مقالا تحليليا يوميا وكل ذلك وأنا لا أزال فتى يافعا في العشرين من عمري أقتنص وقت الدراسة الجامعية لأعمل في الصحافة هاويا أو محترفا حسب الظروف المادية للإعلام الرياضي ، وكنت أكتب في صحف رياضية اسبوعية أردنية وكذلك بعض المجلات العربية ، وأواصل نشاطي السياسي الذي لم يكن مرتبطا بأحزاب معينة ولكنني وبعد ذلك بدأت الكتابة السياسية والعلمية في بعض الصحف الأسبوعية واليومية ومن ثم 3 مقالات أسبوعية في صحيفة الدستور إلى أن بدأت كتابة العمود اليومي عام 2000 ، وبالطبع كان ذلك على حساب توقفي عن الاستمرار في الكتابة الرياضية.
لا يزال لدي ملف يحوي معظم هذه المقالات وفي كل مرة أقرأه اشعر بحنين شديد لتلك الأيام وأشعر بأن تلك المقالات التي كتبتها عن كرة القدم العالمية كانت متميزة وكان يمكن لي أن احصل على مهنة مسلية وممتعة في الصحافة الرياضية بدلا من النكد السياسي المتواصل. لا أزال اشعر بنفس الشغف لكرة القدم الآن مثلما كنت في سن السابعة ، والملحق الأول الذي اقرأه في الصحف اليومية هو الرياضة ولا تزال المجلات الرياضية رفيقة معظم ايام الأسبوع.
في هذه الأيام استعيد هذا الحماس من جديد مع بداية كأس العالم متمنيا مشاهدة مباريات مثيرة والاحتفال بفوز الفريق الإسباني بالبطولة وهو في اعتقادي الشخصي أكثر فريق يقدم كرة قدم ممتعة في العالم ويشكل فريقا متكاملا في كافة الخطوط ، ولكن ليس بالضرورة دائما أن يفوز الفريق الأفضل. في البطولة الحالية يبدو المنتخب الأرجنتيني متميزا جدا بنوعية المهاجمين ولكن هنالك الكثير من علامات الاستفهام حول الدفاع والوسط ، بينما قطع الفريق البرازيلي العلاقة مع كرة القدم الممتعة "السامبا" التي كانت تميزه واصبح فريقا يعتمد على صلابة الدفاع والهجمات المرتدة وقوة الفريق الجماعية والفعالية الكبيرة في إنهاء الهجمات والتي جعلته يفوز بكافة البطولات التي شارك بها منذ العام ,2007 وخلف هذه الفرق الثلاث تأتي إنجلترا وهولندا وألمانيا وربما إيطاليا في سلم التوقعات ، ونحن نعرف جميعا أن التفاصيل الصغيرة هي التي تحسم الأمور في كرة القدم.
كانت أحلامي أن أكون صحافيا أو مذيعا رياضيا أتواجد في الملاعب العالمية وأتابع المباريات من الميدان ولكن هذا بات حلما بعيد المنال مع أن قيمته لا تزال عالية جدا ولو عادت بي الأيام ربما ما تركت الإعلام الرياضي من أجل الكتابة السياسية.
batirw@yahoo.com
الدستور