جرت العادة في شرق المتوسط ( الاحتفاء بمذكرات الساسة ) ! ونادرة هي الحالات التي تقدم فيها التربوي على السياسي في شخص مفكر او زعيم وطني، وكان فيما ازعم انه الصواب، ان اخر مرة نام فيها السياسي واستيقظ التربوي في ذات الشخصية ، كان في تجربة ساطع الحصري ، الذي صنع من تجربة العراق في العهد النوراني الفيصلي الملكي ؛ في نطاق التعليم . معجزة لم تتكرر من بعده، وعلى مدار انغماسي في هموم الكتابة في نطاق قرابة الخمسين سنة الماضية، التي شكلت لهب ونجوم وخيبات واحزان امة.
لم يتسن لي الاطلاع على تجربة تأريخية لمفكر تربوي قبل ذوقان عبيدات !!
من ادب الكتابة ( الاخذ بالاحوط ) والمسارعة في الاقرار بالقول، ربما ان مفكرين تربويين قد جادوا وخاضوا غمار تجارب المذكرات لكن
فرصتي في الملاحقة والمتابعة لم تقع على شيء من هذا ويعني هذا تقصير مني وليس تقليلا من قدر من كتب ، وخذلني حظي بعدم العثور عليه في الدرب، يحلو لي استعمال كلمة ( الترويج ) لكتاب ذوقان عبيدات ، المذكرات والتجربة ( المعنون ) ( ذوقان عبيدات ، مسيرة معلم متعلم ) والكتاب هو خلاصة روح ذوقان وعذب تجربته وعذاب معاناته وبعض اماله وافراحه كثفها ولملم شعثها ، في اقل من ٢٧٠ صفحة ، عازفا عن اي حشو ، متجنبا التزويق والتنميق معتمدا في الكتابة على منهج واقعي سردي يظلله خلق تربوي انيق ، فهو تمثل الخلق القراني الذي يتجنب ذكر اسم المسيء ويباهي بالاحتفال بذكر الذين احسنوا فهم الحياة.
في احدى تجليات المربي البرمكي جعفر لولي العهد هارون الرشيد ، قال له.. ( اعلم.. ان ثلاثة تدل على صاحبها؛ الهدية، والكتاب، والرسول )
ولقد استحسنت هذا القول واثرت اقتباسه في مطلع هذه المداخلة على ( تحفة ذوقان التنويرية ).. ليس هناك من اجماع في مدارس النقد الادبي الذي علمنا اياه اساتذتنا ( محمد عبده عزام ، ومحمود السمرة ، وهاشم ياغي ) على شكل العرض الادبي لكتاب السيرة وليس هناك من قالب ادبي نال رضا واجماع، محمد مندور ، او طه حسين ، ولا لويس عوض لذا ساحاول ما امكنني الحب ، والتقدير للكتاب والكاتب ان اقول شيئا نافعا ، قد يضيف فرصة لبعض القراء الرواح باتجاه قراءة الكتاب.
ولن اغش القارئ بالقول ان ما اكتبه بعض نقد للكتاب بل هو ثناء خالص لان الحياة علمتني ان الثناء اصعب من التجريح واشاعة المحبة اقوى سطوة واعلى شأنا وابقى اثرا من نيران الكراهية وبث المر لان الكتاب مثل الولد واعز ولا احب ان اكون من الخادشين
لذا قلت ( الترويج ).
في كتابه الموسوم بكلمتين ( معلم متعلم ) قدم لي المربي الجليل مرافعة جليلة كنت ابحث فيها بهدوء.. ( المخاطر المحيطة بالطبقة الوسطى في وطننا الاحب ) لقد فتحت مذكرات ذوقان عبيدات الباب على مصراعيه لكل الساسة الاردنيين ، المهتمين بصدق في رصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية في بلادنا قراءة ( معضلة الطبقة الوسطى في مجتمعنا وما يعتريها من تحديات ) ان مرافعة ذوقان عبيدات في قراءته السردية الراقية لحياته وتقدمه وارتقاء وضعه في السلم الاجتماعي كابن مخلص حتى العراك للطبقة الوسطى.
يضعك ذوقان.. امام حقيقة غاية في العمق وهي ان ضمانة ( النشوء والارتقاء ) في كيف الحفاظ على الطبقة الوسطى يكون فقط (بتسييج التعليم بسياج وطني محكم ) قبل مذكرات ذوقان لم يقع في عقلي ان السبب الحقيقي لحماية الطبقة الوسطى في المجتمع الاردني كمجتمع يعبر عن روح العرب فوق التزمت وغير قابل للقسمة الجغرافية وفيه تسامح نبوي مصون بارث العترة والسلالة ..كان بسبب
( منصة التعليم التي اعلى من شانها وصانها وصاغها وادرك خطورة دورها ذلك المفكر القومي اليعربي المدهش الشاعر الكاتب الملك الهاشمي ( عبدالله الموسس ) يرحمه الله …كان التعليم اول النشوء للطبقة الوسطى مثلما كان الجيش عنصر الوحدة …ولأن كان العرش الهاشمي ( هو باب الامة ، وحرز الوطن ) فان التعليم هو من قاد ذوقان عبيدات ابن الطبقة الفلاحية في شمال الاردن الاخضر
ورفع به عتبة عتبة من مدرس كجامعي كاستاذ كخبير تربوي كعالم من علماء التعليم الجسورين.
والتعليم هو منقل ذوقان من حرثا لاربد فعمان فبيروت فالقاهرة فباريس ثم يحمل مشعل الانارة في بلاد الجزيرة العربية وفاء لاجداده الذين غادروها اصحاب رسالة لبلاد الشام وعاد اليها ذوقان ومن في مثله خبرة وعلما لرد جميل اهل الجزيرة علماء وورثة للانبياء.
ان التعليم الذي كرس ذوقان عبيدات حياته كلها اطال الله في عمره خدمة له قد فتح الباب للساسة ان يعيدوا قراءتهم للاشياء
فلا حماية للطبقة المتوسطة التي هي ضمانة كل شيء في بلادنا الا بحماية التعليم واسترداد رونقه وجعله مرة اخرى هو المعتمد ( لاسس التقدم ) في الدولة والمجتمع ان العملية التربوية اولى واحق من الاهتمام الى صناعة احزاب لن تكون ذات فائدة في بلادنا لان الاحزاب هي جزء من طبقة والطبقات غير مفروزة في بلادنا لا على اسس ماركسية اشتراكية ولا على اسس راسمالية فردية اللهم الا اننا نركض وراء سراب مجموعة من الشباب استعذبوا لعبة دعم السفارات وقراءة اربعة كتب وحفظ خمسة اسماءوالنفخ في كور حرية المرأة وحق الطفل والمواطنة وقانون انتخاب دوما يوصف بانه ( عصري ) وليس له من حظ في العصرنة سوى انه يجهز بعد العصر !!!!
كل ذلك لا لزوم له ان قرأنا سيرة هذا التربوي النبيل من قاع حرثا - الى حوارات اليونيسكو بالتعليم..احد رؤساء الديوان الملكي الهاشمي ومن الفصحاء ايضا قال ذات حوار جامع ( نفسي قبل ان اغادر الحياة ارى منهاجا في جامعاتنا عن الحروب الصليبية ) لحظتها اضطررت اسفا التدخل يا معالي الرئيسالاستاذ الدكتور محمد ابراهيم الذي تجرأ فترجم المتنبي شعرا في كيمبريج عام ١٩٤٢ تعلمت على يديه يرحمه الله في سبعينيات القرن الفارط مادة ( ادب الحروب الصليبية )، حين كان التعليم رسالة كان انسانا اردنيا مثل ذوقان عبيدات وهو يمثل جيلا عريضا من اردنيي ( الضفتين ) ( رايحين يزعلو علينا دعاة قوننة فك الرباط ) لكن نحن نفكر في كهف العروبة ولم يصلنا زبد الانفصاليون كيف نشأ وكيف ارتقى ذوقان تلك معجزة الدولة الاردنية انني ادعو كل من له علاقة بالشان العام ان يقرأ مذكرات ذوقان لان
الرابط فيها بين الطبقة الوسطى والتعليم سؤال وطني جامعاهم من كل الرطانة واللغو السائد في بلادنا نحتاج الى قراءة جسورة
لاسباب تقهقر التعليم والتخلص من ( المراجدة غير النافعة ) بين النقابة وبين نظيراتها لعل الاوان قد استحق ميقاته كي نفكر بانشاء
( مدارس التجهيز التربوي ) على غرار التجربة الفرنسية بعد اردنتها لن يحصل انتخابات نيابية ذات معنى ولن نحصل على احزاب سياسية ذات جدوى ولن نعثر على اية حلول وطنية دون رد الاعتبار للتعليم واعادة احياء الطبقة الوسطى على اسس جديدة.
كتاب ذوقان عبيدات زاخر بالمعاني والافكار الممتعة وفيه قصص وملح حياتية اكثر من مجدية وتدريسية كذلك الكتاب يجمع بين المذكرات
الوطنية ، والذكريات الشخصية من يقرأ كتاب ذوقان عبيدات سيرته الذاتية سيكسب علما نافعا وثقافة موسوعية رفيعة المقام.