حرق الشياطين .. في السياسة والدين
ماهر ابو طير
12-06-2010 04:37 AM
تدخل الى المسجد لتصلي الجمعة فتسمع من الخطيب حديثا عن علامات يوم القيامة ، او عن مهمة "الشهاب" في حرق الشياطين ، وفي حالات عن "عفة النساء" المفقودة.
في حالات تسمع شتائم ناعمة او خشنة ضد الشيعة ، او ضد السلفيين ، فتهرب الى مسجد اخر ، فتسمع كلاماً ضد ابي حنيفة ، او ضد التصوف ، وفي حالات تسمع إلماحات ضد المرأة بأعتبارها اصل الفساد ، فتهرب الى مسجد اخر ، فلاتسمع الا شعراً رديئاً لتأكيد كلام الخطيب ، فيغيب القرآن لصالح الشعر.
من اين جاءت هذه النوعية من الخطباء ، ولماذا لايُدرك الخطباء ان من يصلي الجمعة اليوم ، هم غير المصلين الذين كانوا يصلون قبل مائة عام ، والخطباء يقفون امام مصلين يتابعون وسائل الاعلام ، والانترنت ، ويتلقون معلوماتهم من الكتب والمدارس والجامعات ، ووسائل الاتصال ، بحيث باتت الخطبة كأنها موجهة الى جمهور جاهل جدا ، او..أسلم لتوه.
تدخل الى مسجد اخر فتكون مدة الخطبة سبع دقائق ، ولو طلبت "بيتزا"على الهاتف لاستغرق جلبها نصف ساعة ، واذا ذهبت الى مسجد اخر لوجدت ان بعضهم يطيل وكأن المنبر منبر والده ، فيزعق بطول صوته ، ويرتجف ويتمايل ، ويستمر في الخطابة لساعة ، متناسيا ان هناك مرضى وكبار سن.
القصة ليست قصة مس الدين او الخطبة كمبدأ ، ولا انكار وجود خطباء ندرة مثل الفضة البيضاء ، تحترمهم وتبحث عنهم ، ولانريد تنفير الناس من المسجد ، غير ان مايقوم به عدد من الخطباء ، تحنيط للدين ، فأين هي الرسالة في هذا الزمن حين تمضي الخطبة وانت تتحدث عن حرق الشياطين ، وتترك كل القضايا الاخرى.
في اغلب الحالات اذا قرر الخطيب مثلا ان يحّدثك عن سر "الزكاة" وبركتها راح واستدعى سيرة شخص توفي قبل الف عام ، ولست ادري لماذا يتم دوما استدعاء شخوص من التاريخ ، وبيننا شخوص من الحاضر ، يمكن الاستشهاد بتجاربهم ، ولماذا هذا الميل دوما للهروب للوراء ، وفي حياتنا ماهو لامع ومقنع؟؟
تأهيل الخطباء لم يؤد الى اي نتيجة ، وبدلا من جعل تخصص "الشريعة" في الجامعات ، مفتوحا للمتفوقين ، يتم قبول المعدلات القليلة ، فيصير قليل الاجتهاد والذكاء ، مسوؤلا عن وعي الناس بعد سنوات ، ويمتطي الميكروفون والعقل والضمير ، ويصير واجبا سماعه ، اينما شرق نشّرق ، واينما غرب نغّرب.
نريد خطباء من نوع اخر ، خطباء لايأخذونك الى قصص الامويين والعباسيين ، لان لدينا من مشاكل عصرنا ، وهمومنا ، مايكفي للحديث حولها ، والهروب من هذه القضايا الى قصص عادية جدا ، والى التقعر باستدعاء النماذج والحكايات ، وتصغير الدين بطريقة مرفوضة ، وكأنه فقط فقه "الخلافات" او فقه "الوضوء" ، امر لابد من الوقوف عنده.
العالم وصل الى المريخ ، ومازال الخطيب يحدثني منذ الف عام ، عن سر الكواكب في حرق الشياطين ، وهذه الحقيقة لاانكرها دينياً لانها ثابتة في القرآن الكريم ، غير ان اللافت للانتباه هو التأسيس لوعي غريب ، يقول لباطن الناس ، دعوا العالم يحتل الكواكب ، ودعونا نبقى نفكر فقط في حرق الكواكب للشياطين.
المساجد يوم الجمعة لاتجد مكانا فارغا فيها ، لان الناس تبحث عن "النور" ويريدون طريق ربهم ، فيما بعض الخطباء يتولون مهمة اخرى عن جهل اوعن قصد او حسن نية ، بحيث يتولون مهمة اعادتنا الى حالة "الغيبوبة" التي تسطو على عقولنا.
الدستور