بات التشيؤ سمة كونية دون الحاجة لتبرير ، وللمقاربة اكثر فقد اصبح الانسان سلعة خاضعة للعرض والطلب منذ ان توّحش الكون وضاقت مساحة الوجود الانساني وتقلصّت السماحة البشرية .وتبعا لذلك فقد تقلصت مساحات الفرح والنشوة وصار الفرح سلعة نادرة العرض فارتفع سعرها وباتت النشوة طموحا لا يصله الا الاغنياء او من يملكون ثمن السلع النادرة ويبحثون عن الاثارة .

الجزيرة الفضائية نجحت عبر بوابة الاثارة في جذب اعين كثيرين وكان المقروء والمشاهد منها وعنها يقول عن اثارة مجانية في الجانب السياسي ، ولما كان عطاء الاثارة قد احالته الجزيرة على نفسها كان لا بد من الزحف على باقي اشكال الاثارة وتحديدا الرياضية منها ، فإثارة السياسة لم تعد منتجة لكثرة الاحباط وكثرة السموم التي انكشف بعضها وما زال الكثير منه مخبوءا في جرار الجزيرة الفضائية .

نمت الجزيرة فضاءَ عبر بوابة الاثارة ونجحت في اخراج قنوات الرياضة المتخصصة من السوق قبيل الحدث الكوني الاكثر اثارة فرحا وحزنا"كأس العالم"وبوعي الخبراء في الاثارة وفنون الاستثمار في كل شيئ حتى المتع الانسانية التي طالتها مهارة الجزيرة .

لسنا نستنكر على الجزيرة استثمارها ، لكن نستنكر عليها تناقضها الجوهري والمتكرر فهي قبل فترة اعلنت عن فتح ارشيفها السياسي مجانا للجميع بل وكانت مبادرة في هذا الفتح المبين ولولا مخافة لقلنا ان الارشيف مدفوع الثمن مسبقا وثمة من يدفع مرة اخرى لتكرار نشر الارشيف المليئ بالسم الزعاف والمليئ بالمهنة والاخبار الموجهة بمهنية للانصاف ايضا .

الانفتاح وتكريس حق المعرفة والمشاهدة يتناقض جوهريا مع الحصرية والاحتكار التي تمارسها الجزيرة على الناس في كأس العالم وبالاخص على المشتركين في قنواتها الرياضية المتخصصة وانا منهم ، فبأي حق تحتكر الجزيرة المحتكر مرتين مرة ادفع فيها ثمن مشاهدة الدوريات والبطولات ومرة اخرى ادفع رسما اخرا لمشاهدة كأس العالم ، أليس هذا غبنا واضحا خاصة وان الجزيرة وحسب ارقامها حققت فوق المائة مليون دولار من الاعلان في كأس العالم فقط .

اتحدث هنا وفقا لنظام السوق الذي تعتمده الجزيرة نفسها ولن اعيد تكرار فك الشيفرة عن الوثائق الجزراوية للجميع بما فيها تصريح للاسرائيليين مجانا واغلاق الفضاء امام المشاركين في كأس العالم .

وهنا لا بد ايضا من ادانة الفيفا وهو الاتحاد العالمي الذي يعرف ان ثمة فقراء من حقهم ان يستمتعوا بهذا الحدث الكوني ومن حقها فرض شروط على الجزيرة او غيرها لتقديم الخدمة بسعر مقبول ومجاني في بعض الدول على القنوات الارضية حتى لا اخالف منطق السوق الذي تحترفه الجزيرة نفسها .

عداوات البسطاء رغم انها ساهمت في تشويش عقولهم مجانا لفترات طويلة ولما جاء اليوم الذي ترد فيه الجميل لجمهور المتابعين خذلتهم من اجل حفنة دولارات وعلى الجمهور ان يعلم الان حقيقة من معه ومن عليه حتى لو لبس رداء الطهارة والمهنية كثيرا .

ثمة مفارقة اخرى تمارسها الجزيرة وهي ادخال الاجندة السياسية على بوابة الرياضة وهي التي تحدثت طويلا عن ضرورة الفصل بين الرياضة والسياسة عندما قامت ببث مباراة ناد اسرائيلي في البطولة الاوروبية لمن نسي بعد حرب غزة التي بكت عليها طويلا ، وهذه المفارقة تتلخص في ان يدفع الاردن تحديدا ضعف ما تدفعه دولا اكثر ثراءَ واكثر مناهضة للجزيرة نفسها مما يكشف ويؤكد استهداف الاردن من الجزيرة بالتخصص .

ثمة فرصة ان تستعيد الجزيرة وعيها وتفتح القنوات المحتكرة على الاقل دون احتكار الاحتكار وان تقدم للفقراء بعضا من هامش ارباح الاعلان وعليها ان تعلم ان الغاز ومهما بلغ سعره وتكعيبه يتطاير ولا يمكث في الارض .

الدستور