قبل أيام غادرتنا مناسبة { يوم الصحافة العالمي} وقبل يومين كنا – مجموعة أصدقاء- نستعد للتحدث عن تطوير رصدنا للإنتهاكات التي تطال الصحافة والصحفيين في بلدنا الغالي مما دفعنا لإعادة طرح الأسئلة نفسها ودفعني شخصيا للتفكير بنشر هذه المداخلة تحت عنوان إستعيره من زميل عزيز.الكلام عن واقع حريات الإعلام وواقع الصحافة في الأردن ينطوي على تعقيد بالغ خصوصا إذا إنطلق من إطار شهادات شخصية لحراس الكلمة والمهنة والمعنيين بمعادلة الإعلام والصحافة في الجناحين الرسمي والخاص .
والجديد في الموضوع ان تواجد العشرات من المؤسسات المدنية المهتمة بحرية الصحافة ووضعها والمختصة في المسألة يجعل تسليط الأضواء على كل التفاصيل ممكنا هذه الأيام فالحكومة او السلطة لم تعد قادرة على الإحتفاظ بحقائق المشهد الصحفي لنفسها لو لمجموعة محدودة من ممثليها بسبب الأضواء المتسلطة والمتابعة لمئات العيون التي تحترف المراقبة وتكرس وقتها للبجث والتدقيق في الملف الصحفي.
وسبب التعقيد المشار إليه ان {الموضوعية} هنا قابلة للشك فالقول بعدم وجود حرية اعلام في الأردن فيه الكثير من المبالغة والظلم والقول بوجود حرية إعلام فيه بالمقابل إدعاء ونفاق لا علاقة له بالواقع .
والعدالة تقتضي القول بان الأردن يعيش خيارات متاحة لممارسة العمل الصحفي بحرية نسبية لمن يرغب من الصحفيين وهي خيارات لا تتيحها السلطة ولا يوفرها القانون ولاتهتم بها نقابة الصحفيين ولا تحميها إرادة حكومية حقيقية تؤمن بالإصلاح والتغيير حتى الأن على الأقل .
ولذلك تتخذ معركة حرية الصحافة دوما طابعا تشريعيا فالجميع يراقب اي تغيير من أي نوع في أي تشريع والمجتمع الصحفي نفسه وهذا الأهم {منقسم على ذاته} في ظاهرة غريبة إزاء مسألة الحرية فألد أعداء التشريعات الضامنة لإستقلالية العمل الصحفي هم من الصحفيين أنفسهم وتحديدا المقربين من الروايات الحكومية للأحداث او المحسوبين عليها.
وذلك يعكس واقع الحال هناك صحف قادرة على النقد ولا أحد يراقبها وتستطيع نشر ما تريده لكن اليوميات منظبطة جدا بالرقيب الذاتي ولا تعبر عن جميع الأراء والأسبوعيات احيانا تخضع لرقابة مسبقة ومعدلات التدخل في الجسم الصحفي ما زالت موجودة لكنها خفت .. وهذا حصريا ما تقوله أرقام بعض دراسات المجتمع المدني علما بان التلفزيون لم يشهد أي قفزة خارجة عن المألوف.
ولم يعد سرا ان الإستقلال في الرواية الصحفية صعب جدا في الأردن والمجازفة في رواية مهنية مستقلة عن الرواية الرسمية للأحداث المهنة صحفيا مكلفة رغم ان أحدا لم يدخل السجن او يستهدف لإنه خالف الحكومة في أي رواية لأي حدث ورغم ان أحدا لا يتدخل في روايات الصحفيين لكن التشكيك والإتهام والطعن بالمصداقية المهنية عناوين رئيسية في تقييم عمل الصحفيين داخل مؤسسات الحكومة وداخل المجتمع الصحفي المتحالف مع الرواية الحكومية او الذي يعتبر نفسه جزءا منها, وحتى – وهذا الأخطر- داخل المجتمع السياسي في حالة الإختلاف بالرأي.
وقياسا بمواقف القصر الملكي يمكن القول ان مواقف الأحزاب والبرلمان والحكومات {تقليدية} جدا تجاه الصحافة والصحفيين ولذلك تجد المؤسسات المدنية والمعنية دوما في أدبيات الخطاب الملكي ما تستند إليه في الدعوة لتطوير واقع وحريات الصحافة في المملكة لكن إستمرار إحتفاظ الحكومة بأسهم الأغلبية في المؤسسات الصحفية الكبيرة مثل الرأي والدستور لا زال يعيق تماما إستقلالية هذه المؤسسات الرائدة فرؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارة وأحيانا رؤساء الأقسام والمدراء يعينيون في إطار تسويات تتم في مطبخ الحكومة والصدام المرصود وطنيا وسياسيا بين تياري الإصلاح والحرس القديم يفرض نفسه على واقع العمل داخل مؤسسات الصحافة والإعلام.