أخبار .. أهرام .. جمهورية
منصور العبادي
03-08-2021 01:11 PM
هل مازال بائع الصحف الذي كنا نراه في الأفلام والمسلسلات المصرية ونسمع نداءه ليبيع نسخ من الصحف في شوارع وأزقة القاهرة وأحيائها هل مازال موجودا يصدح بتلك الكلمات التي تحمل أسماء لكبريات المطبوعات الصحافية الصادرة بمانشيتاتها ثقيلة الوزن المعرفي والمحتوى الإخباري المتفرد بالسبق الصحفي؟
عندما كنا نشاهده عبر الشاشة الصغيرة (التلفاز)- يرتدي معطفه القديم بعشوائية حركته وملابسة وحذائه المميز ببساطته - وهو يتحرك سريعا بين السيارات ويوزع تلك الصحف على متلهفي القراءة عطشى المعلومة وكأنه يوزرع أرغفة خبز على جياع أو حلوى لذيذة الطعم يختطفونها من يده سريعا.
تلك المشاهد التي وثقتها الدراما المصرية في أغلب المسلسلات والأفلام كانت تشكل إنطباعا عميقا لدى المشاهد بأهمية المحتوى الذي تقدمه السلطة الرابعة وتأثيرها في الرأي العام ومدى مصداقيتها لدى جمهور القراء.
وفي أحد المشاهد في فيلم (شعبان تحت الصفر) بطولة عادل إمام وإسعاد يونس وآخرون من عمالقة الفن العربي، دار حوار بين بسطاء الفلاحين ممن يعرفون شعبان الفلاح البسيط موظف الإصلاح الزراعي، حول بيان شخصية شعبان الذي زور اسمه ونسبه إلى فريد الغطريفي ليرث أحد أقربائه الأغنياء، قالوا في المشهد التمثيلي: "مادام الجرنان بيئول إنه فريد يبئى هو فريد، هو الجرنان بيكدب؟!" على الرغم من معرفتهم التامة لشعبان وقربهم منه، وهذا دلالة واضحة على ثقة القارئ بالمحتوى الذي تنشره الصحف المصرية وقداستها المعلوماتية، وتأثيرها في تغيير اتجاهات الرأي العام.
أخبار، أهرام، جمهورية
في عصر الرقمنة وتوسع نطاق مواقع الأخبار ومنصات التواصل الإجتماعي، والمؤثرون من صناع المحتوى الرقمي، تتضارب الأنباء فيهيم الناس في بحور من التحليلات والآراء، وكل يدلي بدلوه ويعرض مهاراته ومواقفه ونواياه تجاه أية حادثة حديث الساعة، فتنهال علينا كل تلك الآراء فتفقدنا بوصلة المصداقية، وبتنا نتخبط في آرائنا نحن على مواقع التواصل الإجتماعي وفي جلساتنا وجدالنا، فالكل يحلل حسب مصادر مشاهداته ومعلوماته سواء أكان سلبا أم إيجابا.
ومع أن ظاهرة الرقمنة صحية جدا في ميزان حداثة المعلومة وسرعتها إلا أنها قتلت شيء جميل فينا وعزيز علينا وهي متابعة الصحافة الورقية من أخبار سياسية ومقالات وأحداث ورياضة وفن واقتصاد وترفيه وغيرها، فلم يعد أحد ينتظر إصدار العدد التالي من أي صحيفة ورقية ليقرأ مستجدات الأحداث وتطوراتها.
وعلى الرغم من أن الصحف الورقية أسست مواقع إخبارية لها لتواكب التسارع التكنولوجي، إلا أنها تأخرت في ذلك بعد أن ظهرت مواقع متخصصة، بالصحافة الإكترونية جذبت الكثير من المتابعين والمتفاعلين وأصبحت بعلاقاتها مع المسؤولين صانعة للسبق الصحفي ونشره للجمهور، وفي أغلب الأحيان تكاد تكون هذه الصحافة الجديدة هي مصدرا للمعلومة تتبعها الصحف الورقية ومحطات التلفزة والفضائيات وتنقل عنها أيضا منصات (السوشيال ميديا) كمصادر موثوقة، رغم أن الكثير والكثير من هذه المواقع تبحث عن الإثارة وجذب المشاهدات والزيارات والإعلانات بعيدا عن الحقائق الموضوعية التي تنشرها.
وبتنا بحاجة ماسة إلى توحيد الصفوف الصحفية المتعلقة بنشر الروايات تحديدا التي تقولها الحكومات للشعوب من قرارات واضحة لا تحتمل التأويل والإلتواء، لما لها من تأثير كبير على حياة الشعوب وتغيير سلوكات الجماهير.
لذا بتنا وباتت الحاجة ملحة لتربية إعلامية تنمي ثقافة التمييز بين الحقائق والغث والسمين وتنمي ثقافة المواطن الناقد ومحاربة الشائعات والرد عليها مع ضرورة إيجاد دراسات بحثية محكمة تحدد مخرجاتها الصحف والمواقع التي تمتاز بالمصداقية والموضوعية ولا تمتهن الإثارة والتهويل والمبالغات كعمل صحفي، وتعطى تلك الصحف والمواقع الإخبارية سقوفا من الحرية غير مقيدة بقوانين تجرمها وتلاحقها مالم تمس بالثوابت الوطنية وتماسك المجتمع والمحافظة علية.