عندما كنا في القرى والبوادي ومن جيلنا والأكبر والأصغر منا قليلاً كنا نعرف معنى الحارة.
والحارة: هي الجزء المباح للأولاد والبنات خارج البيت سواء كان حجراً او طيناً او بيوتاً من الشعر هي اشبه بالحدائق او الطرقات العامة او الحواري العامّة التى لكل فرد من الحي حق ملكية فيها غير مكتوبة ولكن متعارف عليها وأحيانا تقسم الحارات حسب مناطق السكن ويكون هناك تعاون بين الحارات تصل الى حد اقامة بطولات رياضية بين الحارة الفلانية والاخرى.
يعرف ابناء الحارة بعضنا بعضاً جيداً؛ نعرف لباس بعضنا وما نأكل في بيوتنا، نعرف المعسر والموسر من تنوع اكلاته ومن يكون اكله بسيطاً وحتى اذا حدثت مشكلة عائلية ينقلها ابناء الحارة ببساطة الى بعضنا البعض.
في رمضان كنا نختار احد البيوت ونأكل جميعاً في هذا البيت والكل يأكل من طعام الكل وقد تتشابه الأكلات وكان من الممنوعات ان يعرف بعضنا اسماء الامهات لانه ينادى بابن فلانة من باب التودد. ألعابنا كانت بسيطة كانت طابة (الشرايط) والكرة المطاطية هى المنى لابناء الحارة، كانت لعبة (طاب يا عود) و (الاستغماية) او الغماية وطاق طاق طاقيه والإكس اللعبة المشتركة بين البنين والبنات. كنا نتشاجر تسيل احياناً منا الدماء وبيننا تحالفات ولكننا في النهاية نتصالح فنحن ابناء حارة واحدة سيارتنا من الأسلاك والعجل يتدحرج امامنا تتسخ ايدينا من اللعب بالتراب والحجارة ولكننا في النهاية نغتسل ونواصل اللعب في عصر اليوم التالي حتى في رمضان لا يتوقف اللعب بيننا.
اذا نادى علينا الكبير عندما كان هناك كبير حتى ولو لم يكن أبانا او أمنّا نلبي النداء أحياناً للتوقف عن الازعاج او للمساعدة في العمل كان ننقل اكياس التبن أو نقف حراساً للأغنام او ننزل بعض الأغراض للبيت البعيد كمعونة منا ونسّر بذلك لاننا قدمنا مساعدة.
نعرف احمد مثلاً واباه وأمه وأخواته وجده وجدته وإذا طلبت احد اخوات احمد منا المساعدة نقوم بها ونعتبرها اختنا جميعاً فأحمد ابن حارتنا وابو احمد مزارع نشيط ويكبر أحمد ويدرس في الجامعة ويصبح مسؤولاً ولكنه يعرف حارته وبيوتها وأهلها فقيرهم وغنيهّم يعرف معنى الفقر والغنى يعرف طبخة الرشوف والرقيطه والعكوب والمجدرة والبحت والجرناس والفويرة ويتصور مع المنسف لأنه مكلف ويراه في المناسبات.
احمد لا يعرف الهمبرغر والماك والبيتزا والصيني والهندي من الطعام يعرف أن الأرض التى يلعب عليها هي ملك له ولدى معظمنا حصالات نضع فيها القرش والتعريفة ونفتحها في مثل هذه الايام ايام العيد التى نفرح بها جميعاً ونأكل من لزاقيات وهيطلية جيراننا هي الحلوى التى كانت تقدم.
أحمد يعرف سعيد ومحمود وسفيان ويعرف اخواتهم اللاتي هن اخواته ولا ينسى وهو مسؤول أن يسأل عنهم لانهم ابناء حارته يعرفهم جيداً ولا ينسى أنه كان له على الأكثر لباسان وعدد محدود من الصحون وادوات الطبخ التى كانت تنظم في رفوف خشبية مما تبقى من اخشاب المزرعة التي كان يضع فيها محصوله من البندورة والكوسا ولحافنا وفرشنا من صوف اغنامنا.
كنا نأكل مما نزرع وننام على منتوج اغنامنا ونطحن قمح ارضنا ونقطف قطن ارضنا ونصنع منه ايضاً فرشنا كنا ننشف البندورة في الصيف لنأكل منها في غير موسمها وكذلك نفعل في الخضراوات القابلة للتخزين.
يبقى احمد منا ويعرفنا ويحافظ على مكتبات حارتنا ويفرح باجتماعنا ولا ينسى أن له كبيرا يستشيره ويأخذ برأيه.. احمد لا يوصد بابه هكذا نريد المسؤول منا يعرفنا وهمه همنا وحاله حالنا وارضه ارضنا وماؤه ماؤنا لانه يتذكر كيف كنا نحافظ على الماء لاننا نزرع به أرضنا.. أحمد كان يحلق رأسه احياناً بالشفرة ولكنه لا يحب ان يكون أصلعاً.
(الرأي)