الى اللّجنة الملكية: القانون فوق السياسة
المحامي د. يزن دخل الله حدادين
02-08-2021 07:50 PM
ورد الى مسامعنا عبر الصالونات السياسية والتصريحات من قِبل بعض الأعضاء في اللّجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وجود مُقترح لنقل احدى المقاعد الانتخابية المسيحيّة من محافظة الكرك واضافتها الى مقاعد الدائرة الخامسة في محافظة العاصمة عمان المخصصة للمسيحيين.
هنالك العديد من الأسئلة تحوم اتجاه هذا المُقترح المزعوم ومن أهمها: هل تم الأخذ بعين الاعتبار البُعد التاريخي المسيحي الكركي الذي لا يجوز المساس به؟ هل زيادة المقاعد المسيحية في عمّان بسبب أن أعداد المسيحيين المقيمين فيها أكبر من الأعداد الموجودة في الكرك كافية لحرمان الكرك من مقعديها؟ العبرة ليست بزيادة عدد المقاعد النيابية المسيحية في عمّان بحجة أن المجموع الكلي للمقاعد المسيحية النيابية في المملكة لا يتأثر، العبرة بالبعد التاريخي والسياسي لمحافظة الكرك ويجب المحافظة على ذلك علمياً ونظرياً وسياسياً بعيداً عن اقتراحات قد تمس بهذا البُعد. يجب تجاوز الخطابات السائدة حول المسيحيين في الأردن والتركيز على قضايا بعينها بُغية فهم وتحليل دور المسيحيين في المساهمة في نهوض الوطن. يجب عدم التعامل مع المسيحيين في الأردن ككيان واحد (سياسياً) اذ لا يعرف المسيحيين حزب واحد يعبّر عن مواقفهم السياسية، بل ينقسموا الى حزبيين أو أصحاب فكر سياسي متنوع، أو مستقلين، حالهم حال أي مواطن أردني بغض النظر عن ديانته. وإذا كان هناك أعضاء في حزب ما، هذا لا يعني أنهم يمثلون المسيحيين فقط بسبب حملهم لنفس الديانة.
سبق وأن ذكرت في مقال سابق أن جود أو غياب الثقافة السياسية والقانونية يؤثران في تحديد الى أي مدى وبأي مستوى من الواقعية ينبغي على القوانين الجديدة أن تتضّن، حيث يجب أن يكون للتقاليد الوطنية تأثير على الضمانات الملموسة لسيادة القانون، أي أن تكون بمكان يدعم الثقافة السياسية والقانونية والتي بطبيعة الحال ينبغي مراجعتها وتكييفها وتحسينها باستمرار.
يجب عدم الخلط بين الفلسفة السياسية والقانون. فالقانون فوق السياسة لأسباب عديدة حيث أن السياسة هي مجموعة من الأنشطة التي تُؤثر في أسلوب الإدارة العامة للبلاد، وهي عبارة عن مجموعة من الآراء والاعتقادات التي تساعد في اتخاذ طريقة مناسبة لوضع خارطة طريق للحاضر والمستقبل. أما القانون هو عبارة عن مجموعة من القواعد والأسس التي يجب الالتزام بها، والتي يتم من خلالها حكم البلاد، وهي التي تحدد السياسات، ليعرف أفراد المجتمع واجباتهم وحقوقهم، ويمكن لهذه القواعد أن تتغير وتتجدد باستمرار وذلك بسبب التغيرات التي تحدث للمجتمعات، ولكن يجب الالتزام ببعض المعايير مثل العدل، والعادات والتقاليد، والتاريخ، والحاضر، والمستقبل.
من هذا المنطلق، ولارتباط القانون والسياسة، فإننا نطمح من اللجنة الملكية مراجعة التغييرات القانونية والسياسية على صعيد المنظومة القانونية الأردنية من خلال مراجعة المؤشرات المتعلقة بالعمل التشريعي والحقوق والحريات العامة والحقوق السياسية، من خلال تحليل الواقع القانوني والعملي للعمل التشريعي في الأردن. الأوراق النقاشية السبع التي خطّها جلالة الملك عبد الله الثاني رسمت خارطة الطريق القانونية والسياسية، والارتكاز على هذه الأوراق النقاشية هي بمثابة نجاح للجنة الملكية وتُعزز تحقيق الأهداف المرجوّة منها للوصول لتوافق وطني للنهضة في الوطن وتطوير نظامنا الديمقراطي والسياسي.
كما نأمل من اللجنة الملكية استيعاب كل الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مع ضرورة الإصرار على وضع مُقترح قانون يقود الى أن يختار المواطن الأردني ممثليه استناداً إلى أيديولوجياتهم وتفكيرهم في مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تهمه وذلك لأن من يتم اختيارهم من قبِل المواطنين هم المشرعين الذين يقررون المبادئ التي هي القواعد التي توجه عمل الحكومة. هذه اللجنة هي فرصة لتعزيز الانتماء، والصالح العام، والولاء وغرس مفهوم المواطنة والثقافة والسياسة ورسم مُقترح خارطة للطريق للنهوض في الوطن قانونياً وسياسياً واقتصادياً.