facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




هل كان صدام حسين مزدوج الشخصية؟


م. أشرف غسان مقطش
02-08-2021 02:00 PM

إزدواج الشخصية مرض نفسي و/أو إجتماعي تصدى للبحث فيه بعمق على طول مختلف كتبه وعرضها، عالم الإجتماع العربي العراقي د.علي الوردي.

ورغم أن الوردي نوه في أكثر من مكان إلى أن إزدواج الشخصية هذا غير النفاق إلا أنه عاد يضعهما في كفة واحدة كنتيجة لنفس السبب! ففي اختلاف إزدواج الشخصية عن النفاق، يقول في أحد كتبه:

"إنه [أي الفرد العراقي] بهذا ليس منافقا أو مرائيا كما يحب البعض أن يسميه بذلك. {بل هو في الواقع ذو شخصيتين}، وهو إذ يعمل بإحدى شخصيته [خطأ مطبعي على الأرجح، والصواب: شخصيتيه]، ينسى ما فعل آنفا بالشخصية الأخرى. فهو، إذ يدعو إلى المثل العليا أو المبادئ السامية، مخلص فيما يقول، جاد فيما يدعي.

أما إذا بدر منه بعدئذ عكس ذلك، فمرده إلى ظهور نفس أخرى فيه لا تدري ماذا قالت النفس الأولى وماذا فعلت."(1)

ويسهب في تبيان الفرق بينهما في كتاب آخر قائلا: "وازدواج الشخصية هذا يختلف من بعض الوجوه عن النفاق. فالمنافق مزدوج في قوله أو فعله، {ولكنه يعرف أنه مزدوج}. إذا هو يتقصد هذا الإزدواج لكي يتزلف إلى شخص أو يطلب منه شيئا. أما مزدوج الشخصية {فهو لا يدري بازدواجه} وهو لا يريد أن يدري. إن له في الواقع وجهين: يداري الواعظين بأحدهما ويداري بقية الناس بالآخر. وإذا ذُكِّر بهذا أنكر.. وربما أرعد وزمجر."(2)

ثم يقول في شأن أنهما معلولان لعلة واحدة: "فمن الممكن أن ننظر في الفن نظرا موضوعيا ونجرده من صلاته الإجتماعية أحيانا ولكن هذا أمر له شروطه وحدوده؛ أما الإندفاع فيه من غير حد فقد يؤدي بالناس إلى الإعتياد على النفاق أو إزدواج الشخصية بوجه عام."(3)

وعلى أي حال من الأحوال كان بها إزدواج الشخصية هذا من منظور الوردي إلا أنه من الضروري الإشارة هنا إلى أنه ذكر أن إزدواجية الشخصية هذه تعاني منها كافة المجتمعات، إنما على درجات، وأكثر المجتمعات إزدواجا في رأيه هو المجتمع العربي العراقي. فاسمع له يقول: "واني لا أنكر بأن ازدواج الشخصية ظاهرة عامة توجد بشكل مخفف في كل إنسان حيث وجد الإنسان، ولكني أؤكد لكم بأن الإزدواج فينا [في العراقيين] مُرَكَّز ومتغلغل في أعماق نفوسنا. إن العراقي، سامحه الله، أكثر من غيره هياما بالمثل العليا والدعوة إليها في خطاباته وكتاباته، ولكنه في نفس الوقت من أكثر الناس إنحرافا عن هذه المثل في واقع حياته." (4)

في ضوء ما سبق، لربما يتضح لنا كيف كان صدام حسين مؤمنا متطرفا بمبادئ حزب البعث العربي الإشتراكي الطنانة وشعاراته الرنانة، وعلى رأسها شعار: "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"، ثم كيف أنه سرعان ما رمى بهذا الشعار عرض الحائط حينما أصدر أوامره ب (إجتياح/إحتلال/دخول/غزو) الكويت في مثل هذا اليوم قبل واحد وثلاثين عاما.

وأرجو ألا يُفهم من هذا أن صدام حسين كان مخادعا؛ فالمزدوج ليس مخادعا كما أوضح ذلك الوردي من خلال قصة رواها في أحد كتبه ذكر فيها أن "بقالا أدخل إبنه ذات يوم إلى المدرسة فجاءه الفقيه يردعه ويعظه ... فأخرج المسكين ابنه من المدرسة. ولكنه وجد بعد مدة أن ولد الفقيه دخل فيها ثم تخرج منها وأصبح موظفا في الحكومة يأمر وينهي.

وعندما فُتِحت مدرسة البنات، عزم البقال أن يدخل ابنته فيها، فجاء الفقيه يعظه أيضا. ولكن البقال أجابه هذه المرة وهو متبرم: "حاول أن تخدع غيري في هذه المرة يا سيدي الشيخ"".(5)

يعقب الوردي على هذه القصة قائلا: "مما يجدر ذكره هنا بأن الفقيه لم يكن يقصد خداع هذا الرجل. فهو قد كان مخلصا في وعظه في المرة الأولى والثانية. إنه لم يكن مخادعا -بل كان مزدوجا." (6)

ولعلنا لا نغالي إذا ما قلنا أن صدام حسين لا يختلف كثيرا عن الفقيه في وجه من الوجوه؛ فهما كلاهما على ما يبدو كانا يعانيان الأمرَّين من داء الإزدواجية من حيث لا يدريان.

ويمكن الإتيان بمثال آخر يبين لنا كم كان صدام حسين مزدوجا في شخصيته. فلقد قيل أن صدام حسين -ومن منطلق قانوني- كان قد أعطى الأمان لزوج ابنته حسين كامل الذي تمرد عليه فارا إلى هذا البلد الأمين لاجئا سياسيا مطلع النصف الثاني من تسعينيات القرن المنصرم، بيد أن صدام حسين أوكل إلى ابن عمه علي حسن المجيد(7) مهمة قتله إثر عودته للعراق، وذلك تحت ستار الأعراف العشائرية وما دار في فلكها من عادات وتقاليد سوغت لصدام حسين نقض الأمان الذي منحه لزوج ابنته بطرق ملتوية لا يتناطح عليها عنزان.

تقول حرير حسين كامل، حفيدة صدام حسين: "وكان جدي صدام حسين قد جمع البيجات(8) كلهم. وقال لهم إنه عفا عن حسين كامل.. ولكنه أضاف كلمة غيرت كل شيء.. «لقد عفوتُ عن حسين كامل... قانونيا. أما عشائريا يجب غسل هذا (العار) والتقط عم والدي. وردَّ فورا: سيدي الرئيس. إن كنت أنت قد عفوت.. فنحن كعشيرة لم نعفو [خطأ نحوي، والصواب: نعفُ]..». وكان يقصد العار بالعرف العشائري... فصمت جدي ولم يُجِب.. وقام أحد الأقارب يده وقال: «هم أزواج بناتك وآباء أحفادك فأعفو عنهم [خطأ نحوي، والصواب: فاعفُ]..» فأجابه جدي صدام: «نحن لا نترك حقنا كعشيرة ولا نعفو»(9)

إن هذه القصة تثبت إلى حد بعيد أن صدام حسين كان مدفوعا في حياته لا شعوريا بتأثير نوعين من القيم الإجتماعية: قيم الحضارة التي دفعته لا شعوريا لإعطاء الأمان لزوج ابنته على اساس قانوني، وقيم البداوة التي دفعته لا شعوريا أيضا لاستباحة دم زوج ابنته.

وأنوه هنا بل ألفت الإنتباه بشدة إلى أنني لا أقول بأن الإزدواج في شخصية صدام حسين هو التفسير الوحيد وراء قراره ب(إجتياح/إحتلال/دخول/غزو) الكويت رغم دعوته آناء الليل وأطراف النهار إلى الوحدة العربية. بل ما أقوله أن الإزدواج في شخصية صدام حسين يفسر لنا كيف كان يقول بالقومية العربية بما تنطوي عليه من مثل ومبادئ، ثم يأتي بأفعال بعضها بعيدة كل البعد عن أقواله، مع التذكير بأن هذا الإزدواج في الشخصية ليس بمحض إرادته بل هو لا شعوري.

أما الأسباب والدوافع والحوافز الأخرى التي جعلت صدام حسين يرتكب تلك الخطيئة المميتة، فقد تطرقت إليها في مقال لي نُشِر هنا في الزاوية نفسها قبل أربعة أعوام بعنوان (أسباب الغلطة الكبرى). (10)

ملاحظات:
1) الكاتب يعتمد صحة هذه المعلومات حتى يرد ما يختلف عنها في أي مصدر و/أو مرجع آخر غير الإنترنت.
2) ما بين العلامتين [...] إضافة من الكاتب على النص المُقْتَبَس لغرض التوضيح و/أو التصويب.
3) العلامتان {...} خطان أحمران من الكاتب للتشديد على أهمية المفردة و/أو العبارة.

هوامش المقال:
(1) كتيب (شخصية الفرد العراقي)، لمؤلفه د.علي الوردي، شركة دار الوراق ش.م.م.، الطبعة الرابعة (2017)، ص (47)
(2) كتاب (وعاظ السلاطين)، لمؤلفه د.علي االوردي، الطبعة الخامسة لشركة الوراق للنشر المحدودة 2017، ص(25)
(3) كتاب (أسطورة الأدب الرفيع)، لمؤلفه د.علي الوردي، شركة دار الوراق للنشر المحدودة، الطبعة الثالثة (2015)، ص (256)
(4) كتيب (شخصية الفرد العراقي)، لمؤلفه د.علي الوردي، شركة دار الوراق ش.م.م.، الطبعة الرابعة (2017)، ص (45)
(5) كتاب (خوارق اللاشعور أو أسرار الشخصية الناجحة)، لمؤلفه د.علي الوردي، شركة دار الوراق ش.م.م.، الطبعة الثانية (1996) م، ص(93)
(6) المصدر السابق.
(7)كتاب (العراق من حرب إلى حرب: صدام مر من هنا) الطبعة الأولى كانون الثاني (2010)، رياض الريس للكتب والنشر، لمؤلفه غسان شربل، ص(90)
(8)البيجات هي عشيرة صدام حسين. أنظر: كتاب (صدام حسين من الزنزانة الإميركية: هذا ما حدث!)، المحامي خليل عبود الدليمي، الطبعة الأولى، الخرطوم (2009)، شركة المنبر للطباعة المحدودة، ص(72)
(9) كتاب (حفيدة صدام، حرير حسين كامل)، ص(171). لا يوجد في الكتاب هوية تُعرِّف بشكل صريح مَنْهُوَّة مؤلف الكتاب، ومَنْهِيَّة دار النشر، وماهية الطبعة، لكن هذا لا يمنع القول أن المنطق وبعد الإنتهاء من مطالعة الكتاب يفرض الإستنتاج بأن حرير هي مؤلفة الكتاب على الأرجح.
(10) رابط مقال (أسباب الغلطة الكبرى): https://www.ammonnews.net/article/325230





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :