للصحفيين حكايات ، اغلبها يبقى سراً ولا يُروى وتستفيق في احيان ، من غفوتها لتروى هنا وهناك.
في قصة محرجة ، رافقت وفدا سياسيا عربيا في زيارة عام 1995 الى باريس ، والفرنسيون خصصوا لنا ، سيدة فرنسية تتولى الترجمة من الانجليزية الى الفرنسية ، والعكس ، وكنا نجلس بمعيتها ساعات طويلة ، كونها مسؤولة عن النشاط ، وكانت "المفارقة" اننا كعرب ، كنا نشتم فرنسا والاحتلال الفرنسي ، بالاضافة الى لغو بعض اعضاء الوفد ، حول الباريسيات وجمالهن.
لم يبق "سر" الا وقيل ، ولم تبق كلمة جيدة او سيئة بالعربية الا وقيلت ، لاننا كنا نعتبر ان "الفرنسية" تجيد الانجليزية فقط ، وكانت المفاجآة التي اصفرّت لها الوجوه انها حين غادرنا باريس ودعتنا بعربية سليمة مائة بالمائة ، واكتشفنا انها درست العربية ، في المغرب ، وتخرجت متفوقة ، فعدنا نضرب اخماسا في اسداس ، على هذا المقلب ، الذي جعل بعضنا يسترسل في احاديث ، كانت الفرنسية تسمعها وتفهمها ، دون ان نعلم انها تفهم كل حرف ، وتجعلك القصة مصابا بُعقدة "التدقيق اللغوي" على مهارات الاجانب الذين تقابلهم.
في عام 1993 كنت في بغداد ، وكنا على وشك العودة الى عمان ، بعد زيارة للعراق في عهد صدام حسين ، وقبيل العودة بساعة وبعناد لم يبق منه الا القليل هذه الايام ، ذهبت للسوق لشراء هدية لابنتي ، وحين سألت عن البائع في المحل ، قالوا لي انه ذهب للمسجد المجاور وسيعود ، ولاني كنت مُستعجلا كعاصفة ، ذهبت لاخراجه من المسجد.
وجدت الرجل وخرجت ، لكنني فوجئت بكون حذائي تمت سرقته ، من خزانة الاحذية ، ولم يكن في تلك المنطقة اي محل للاحذية ، فتنّدر عليّ العراقيون يومها ، خصوصا ، انني كنت مسافرا ، واقرضوني فرّدتي حذاء ، كل واحدة بلون ، ومقاس مختلف ، لاعود بهما الى عمان ، فلبستهما مكرها حتى صعدت الحافلة عند فندق الرشيد ، وامضيت الرحلة خجلا حافياً.
في القاهرة عام 2007 ، اضعت جواز سفري ، وكنت من شدة القهر ، ارغب بسؤال اهل القاهرة والصعيد ايضا ، هل مر الجواز من امامهم ، والمفارقة الغريبة انني كنت في خان الخليلي ، يومها ، واذ مر بجانبي عجوز مصري ، وقال بلهجته المصرية "انت زعلان ليه" فأجبته بتثاقل وبعصبيتي المعتادة ، عن ضياع الجواز ، فسكت لحظات وابتسم.
قال لي العجوز اذهب الى غرفتك في الفندق ، وستجده خلف المرآة ، وغادر مسرعاً برغم كبر سنه ، وانا ألعنه على هذه "المسخرة" التي لا احتملها في هذا التوقيت ، معتبرا انه يريد النصب علي بعشرة جنيهات ، لم يطلبها اساسا ، وحين عدت الى الفندق وجدته فعلا ، وقد سقط بالخطأ خلف المرآة الموضوعة امام السرير ، ورغم انني كنت قد قلبت الدنيا بحثا عنه الا انني لم اجده.
في الحادي عشر من ايلول عام 2001 ، يوم تفجير الابراج ، كنت في لندن ، ولحظة وقوع التفجيرات كنت قد وصلت محطة القطارات في جنوب لندن ، التي كانت تجاور ابراج ضخمة ، وحين خرجنا من القطار ، خرجت للتسكع ، داخل المحطة ، قليلا ، قبل موعدي مع احدهم ، وشاهدت الاف البريطانيين ، يركضون بطريقة هستيرية ، ويخرجون من المحطات ، والهلع يسود المكان.
لم استوعب المشهد ، وبعد نصف ساعة جاء الي شرطي بريطاني وانا جالس بهدوء في احد المقاعد ، ليقول ان دمي "اكثر برودة" من دم الانجليز ، لاني لم ابد اي رد فعل ، وسط هذا الهياج ، وحين سألته عن سر الهياج ، جن جنون الشرطي وقال الا تعرف ماذا حدث في امريكا ، ولم اخرج من النقاش معه الا بشق الانفس.
كنت في شهر اذار من هذا العام اغُطي القمة العربية في ليبيا كمندوب لـ"الدستور" ، ولان هاتفي يصبح دوليا ، فان شبكات القرصنة الالكترونية تسطو في ليبيا على الارقام الخلوية الاجنبية ، التي تتحول الى "رومنغ" ، ويتم استخدام الارقام لاجراء مكالمات على حسابك وانت لا تعرف ، وما تعرضت اليه تعرض اليه كل الاعلاميين الاردنيين والعرب والاجانب.
يطلبك احدهم من عمان ، فلا يسمع صوتك ، بل صوت شخص ليبي يرد على سؤالك حول "ماهر" بأن ماهرا في "الحمّام" ، واغلب الذين طلبونا كانوا يسمعون ذات الشخص يرد بالقول ان "فلانا" في الحمّام ، وكانت الكارثة بحق احد موظفي الخارجية الاردنية حين طلبته زوجته ، فردت عليها صبية ، وقالت ان فلانا في "الحمّام" ، مما جعله يتلقى كماً هائلا من الشتائم من زوجته ، التي لم تقتنع بوجود "هاكرز" وسطو على الشبكات ، ولربما امضى وقته حتى اليوم وهو يقسم انه لا يعرف المرأة ولم يكن في الحّمام ايضا.
مهنة مُتعبة ، ربما ، غير انها لذيذة ، وتستوطن دمك كأمرأة احببتها للتو.
mtair@addustour.com.jo