أستمعُ لبرنامجي فتاوى على الهواء بريادة مختصين أفاضل يردون على أسئلة المحتارين ومقترحات المتطوعين بالنصيحة والتوجيه. بصفتهما بثَّاً حياً فلا بد من الأسئلة التي لا عِيارَ لها إما من خصوصيتها المفرطة أو تكرارها الممل. و يرد ذو الشأن بما ينفع العباد المحتارة. لكن سؤالاً وجيهاً يتكررُ و يجدُ جواباً يتكررُ كذلك و باعتقادي يثير استفاهماً أكثرَ مما يوضحُ جواباً و قد يتضاربُ مع مؤسسةِ الاقتصاد. السؤالُ المتكرر هو عن التعامل مع المصارف التجارية، البنوك. هل يجوز أم لا؟
الإجابةُ تتضمن وصف المصارف بالربوية ونُصْحَ السائل بتركها والتوجه للمصارف الإسلامية، وقد يتجاوز ذو الشأن المجيب لوصف التعامل بالحرام وحتى بِحُرْمَةِ العمل بها. لا اختلاف ولن يكونَ بِحُرْمَةِ الربا وخطيئة المرابين. هذا النص الواضح في سورةِ البقرة لا جدال فيه. لكن الحيرة تقع حقيقةً بين اقتصادٍ متنوعٍ به المصارف التقليدية والإسلامية وكلهم تحت نظر وقوانين المصرف المركزي، وكلهم يوظفون آلاف المواطنين ويخدمون ملايين منهم، ثم التضاد بين فتوى مسؤولة تصفهم بالربوية والحرام وبين كونهم فعلياً أجهزةَ دولة إقتصادية بالمعنى الشامل للدولة. الفتوى تُخرِجهم من السياق المقبول والدولة لن تقف اقتصادياً من غيرهم. بالطبع، الفتوى ضرورية وتوجيه الناس للخير وظيفتها والابتعاد عند الربا و تحريمه واجب لكن قيمة الفتوى تقل عندما لا يهتم بها المُشَّرعْ فتصبحُ اختياراً شخصياً لا سياسة دولة. و التناقض قد يكون أنها تصدر عن ذوي شأنٍ هم من موظفي الدولة. إن لم أَكن على خطأ.
هذا في الأردن. في مصر ومن مؤسسة الأزهر استمع لرأيٍ مغاير يُبيحُ التعامل مع المصارف التجارية وعملياتها كلها، باستثناء القرض الربوي إلا إن أُقْفِلَتْ كل السبل البديلة للحصول على قرضٍ بغير فائدة. يقولون أن الاقتصاد الحديث صار مبنياً على هذه العمليات المصرفية المعتادة و ليس فيها حرام. لكن المواطن حُرٌ بأن يذهب لها أو للمصارف الإسلامية بأمواله. تناقض الفتاوي بين البلاد فيه رحمة لكنه أيضاً مُثيرٌ للحيرة أكثر.
عديدُ المتعاملين لا يرى فرقاً بين مصرفٍ تجاريٍ و إسلامي، هذا في التعاملات اليومية و التجارية. و أنا لا أعلم كيف يتعامل النوعان من المصارف مع المصرف الأب، المركزي. هل بالتعليمات المتعارف عليها عالمياً أم الإسلامية. هل أعتقدُ أن هناك حاجةً للتوضيح في هذا الشأن المصرفي من مرحلة فتوى السائل على الهواء لمرحلة المُشَّرِعِ و المصرف المركزي؟ أعتقد ذلك.