مجلس التعليم العالي ومجالس الأمناء "الواقع والمأمول"
د. حفظي اشتية
01-08-2021 04:13 PM
تشعر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن بعض الجامعات تعاني من أزمات معظمها إدارية، وقد تراكمت وتعاظمت وتكاثرت شكاوى بعض المدرسين والإداريين، وانطلقوا تحت وطأة الإحساس المر بالظلم إلى البحث عمن ينصفهم خارج جامعاتهم، فتوجهوا إلى لجان التربية والتعليم في مجلس الأعيان، والنواب، وإلى بعض الوزارات والهيئات، إلى المحاكم، وبعضهم يفكر فيما وراء ذلك.
ويدرك المعنيون النبهاء أن إظهار الحق وإنصاف المظلوم تعتريه صعوبات؛ لأن بعض المسؤولين في بعض الجامعات تشكلت لديهم خبرات في المروق من قرطاس الأنظمة والتعليمات إن لزم الأمر، أو تطويعها وفق هواه، وتغطية بعض قرارته الظالمة ببعض (الإكسسوارات) القانونية، فترى المسؤول الكبير أحيانا يطلب من المسؤول الصغير أن يُعدّ العدة للقرار المطلوب، فيطلب المسؤول الصغير من المسؤول الأصغر أن يمهد للمراد، ويعزَّز الأمر بتشكيل لجنة للتحقق، ثم يزاد تعزيزا بتشكيل لجنة تحقيق، وهي غالبا لجان مأمورة محكومة بالرغبة والرهبة لتنفيذ أوامر المسؤول الكبير الأمين المؤتمن، ثم يأتي دور الاستشارة القانونية الشكلية لتكتمل الصورة ويتجلى العدل، فيتراءى لمن يعاين الموضوع بسطحية وبحسن نية أن القرار محكم سار وفق خطوات سليمة، وأن المسؤول الكبير لا علاقة له به، بل يتخذه مطية لإثبات نزاهته وموضوعيته وحرصه على العدالة والشفافية والإدارة المؤسسية، وتحقيق الرؤى، والنط على درجات سلالم التصنيفات للانطلاق نحو العالمية والارتقاء نحو العلى!!!
واثقون من صدق نية الوزارة في التغيير الذي شمل وسيشمل مجلس التعليم العالي ومجالس الأمناء ورؤساء الجامعات، والتغيير سمة كونية وله أثار إيجابية: يحرك السواكن، ويفضح البواطن، ويهذب الشوائب، ويصفي الرواسب:
" إني رأيت وقوف الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يجرِ لم يطب"
نتمنى أن يكون التغيير جوهريا يؤدي إلى فتح صلاحي إصلاحي مبين، لا تغييرا شكليا يزيدنا خيبة أمل وإحباطا، ويجعلنا نتذكر حكاية شهاب الدين.
وندرك أن الأمر ليس سهلا، فالضغوط كبيرة، والتجاذبات شديدة، والترويجات خادعة، والحقائق متوارية، نأمل من مجلس التعليم العالي ومجالس الأمناء أن يكشفوا مستورها .
من ذلك مثلا أن كثيرا من الجامعات تتغنى بأنها تقدمت في مستويات التصنيفات العالمية، وتقام الأفراح لذلك، وتتضخم التطبيلات الإعلامية للمسؤول وتوجيهاته الألمعية، ورغم أننا جميعا نتمنى أن تكون جامعاتنا بين طلائع الجامعات العالمية، لكن الأمر يحتاج إلى محاكمة علمية لنتأكد أن تفوقنا حقيقي يحقق البيئة الجامعية المثلى إنسانيا وإداريا وتعليميا وبحثيا وبنية تحتية وعدالة وأمنا وظيفيا.....
أحد أعضاء مجلس التعليم الحالي نُشرت له مقالة عام 2019م تضمنت حديثا ضافيا عن بعض التصنيفات وجوانب قصورها، وخلُص إلى القول : " التصنيف يعطينا فكرة لا بأس بها عن الجامعات الجيدة، لكن يجب أن ندرك أنه يجب ألا يكون الهدف الأسمى. الهدف الأسمى هو التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع . "
ونحن نضيف إلى ما قال : نتمنى ألا يتحول التصنيف العالمي إلى صداع في الجامعات، وصراع بين الشكل والمضمون، وأعباء إضافية على كواهل الهيئة التدريسية، وكل ذلك ليسجل المسؤول انتصارات إعلامية تصب في مصلحة أهدافه الشخصية ليبقى متربعا على الكرسي الذي ملّ من عبثه، رابضا على صدور المظلومين الذين يئنون من ظلمه .
وقد ظهر مؤخرا ميدان جديد للتنافس هو الحصول على شهادة الجودة، فتطالعنا كثيرا أخبار سارة أن الكلية الفلانية حصلت باستحقاق وجدارة على شهادة الجودة. ونؤكد ثانية بأن الجودة مطلب الأسوياء، ومطمح العقلاء، لكننا نريدها جودة حقيقية تكشف بصدق عن أمارات الإدارات الجيدة، ونخشى أن الاستكثار من منحها سيؤدي إلى شعور خادع وانفصام عن الواقع.
إن بعض المراسلات في بعض الكليات بمستوى إدارة العصور الوسطى بل دونها، فكيف يعقل وجود قسم أكاديمي دون سجل وارد أو صادر منذ تأسيسه قبل سنين ؟! وكيف نستوعب عدم الرد على المخاطبات الرسمية المحقة والمهمة والضرورية للمدرس ؟! ومنعه من الحصول على رقم الوارد أو الصادر لمخاطباته التي لم يرد عليها أحد ؟! بل عدم رفع مخاطباته إلى رئاسة الجامعة ؟! وقد لا نفاجأ غدا إذا تلألأ اسم هذه الكلية العظيمة في سماء الجودة !!
نتمنى على مجلس التعليم العالي ومجالس الأمناء أن ينظروا في المظلمات في بعض الجامعات، ويستدعوا أصحابها، ويسمعوا منهم لا عنهم، وينظروا في مظلمة كل منهم، ويتمعنوا في أوراقه ومخاطباته التي تصف شكاته، ويدققوا ويتبصروا ولا ينخدعوا، عسى أن يصل صاحب الحق إلى حقه، ليشعر ان شمس العدالة ما غابت ولن تغيب في هذا الوطن، وأن المظلوم سيجد يوما من ينصره، وأن بعض الإدارات ستجد يوما من يقول لها : كفى ظلما وعبثا.
ما المصلحة التي تتحقق للمؤسسة من خلال ظلمكم وقهركم لفئة لا ذنب لها إلا أنها تطالب بحقها الأبلج، وتطلب أن تعامل باحترام وعدالة ؟
المؤسسة للجميع، وليست ملكا شخصيا لأحد المسؤولين، والمدرسون إذا لم يشعروا بالعدل والاحترام والأمان، فكيف سيقومون بواجبهم نحو طلبتهم وينتمون لمؤسستهم ووطنهم ؟
أما إن ظل بعض أعضاء مجلس التعليم العالي أو مجالس الأمناء منخدعين بما يردده المسؤول، وما يزودهم به من تقارير وتقييمات ومعلومات، ويصدقون كل ما يقول ويسطر، ويطربون لأغاريده الإعلامية، ويرددون عباراته المكرورة عن الرؤى والتوجيهات والأنظمة والتعليمات التي يهدمها بيديه مرة تلو مرة، فعلى الدنيا السلام، وعلى التعليم الرحمة، ورحم الله أحمد شوقي في مقطوعته الراقية الرائقة وعنوانها " الثعلب الناسك "، وننصح بقراءتها لأنها تصف بعض الحال، وتكشف عن الميل والخلل.
ونجهر بالأمنيات النادية الصادقة لجامعاتنا جميعها أن تعود كما كانت مشاعل علم ونور وعدل وأمل.