من جديد، وللشهر الثالث على التوالي، تشهد أسعار المحروقات ارتفاعات جديدة، متأثرة بزيادة أسعار المشتقات النفطية عالميا، فأسعارها في السوق العالمية شهدت زيادة كبيرة منذ نحو 9 أشهر بسبب تبعات كورونا، وهي مرشحة لمزيد من الارتفاع لاحقا.
في المقابل، أعلنت وزيرة الطاقة والثروة المعدنية أن اللجنة المختصة بالطاقة تدرس إعادة النظر بتعرفة الكهرباء. ورغم محاولتها “التخفيف” من وقع هذا الإعلان من خلال التأكيد أن “من يستهلكون فوق 600 ك واط ساعة شهريا قد ترتفع قيم فواتيرهم أو يكون انخفاضها قليل جد”، إلا أنه ما من شيء سيظل مضمونا متى رفعت اللجنة الأسعار!
وقبل ذلك كانت بعض سلع المواد التموينية، خصوصا الزيوت، قد خاضت معركة ارتفاع الأسعار جراء زيادة أجور الشحن عالميا، قبل أن تعود إلى الاستقرار نسبيا، ولا يمكننا الاطمئنان إلى أن الأسعار ستتوقف عند هذا الحد. مثلها كانت أسعار الدجاج التي حققت قفزات كبيرة حرمت شرائح مجتمعية من شرائه.
في ضوء كل ذلك، ما تزال الدولة ومن خلفها المواطن، يعانون من تداعيات جائحة كورونا، حيث تعطلت الحركة الاقتصادية لأشهر عديدة، ما أثر سلبا على المردود المالي، وبالتالي زاد من الأعباء المترتبة على الأردنيين.
هذه المعادلة تشي بأننا في طريقنا لما هو أسوأ اقتصاديا، إلى مرحلة ستترك أثرا مباشرا على جيب المواطن، وتزيد أعباء الدولة وتضعف من قدرتها على تحقيق النمو الاقتصادي، الأمر الذي يتطلب خطة حكومية سريعة للتعافي، والعمل في الوقت ذاته على الحد من الارتدادات المتوقعة على شرائح مجتمعية عديدة، والذي انحدر مستوى معيشتهم كثيرا نتيجة للضربات الاقتصادية المتتالية التي تعرضوا لها، وبلغوا حدا كبيرا من الفقر والعوز، وارتفاع نسب البطالة بينهم، دون حلول حكومية ناجعة في هذين الملفين على وجه التحديد.
على الجميع أن يتهيأ لما هو مقبل، ولا أعرف بماذا تفكر الحكومة في هذا الخصوص، فليس من المنطق أن نقف مكتوفي الأيدي أمام “غول الارتفاع” الذي يقترب منا شيئا فشيئا، فيما على المواطن أن يدرك أيضا أن هذه الارتفاعات المتوقعة ما هي إلا ارتدادات لما يشهده العالم من زيادات في أسعار جميع السلع والخدمات.
لا أروج هنا إلى فكرة أن يتقبل المواطن الأمر الواقع، وأن يستسلم لما هو آت، كما لا أمنح الحكومة حجة لأن تستغل التحولات التي تشهدها الأسواق العالمية عبر قرارات تكون على حساب الناس، فالأصل أن تكون قد أعدت خطتها في وقت مبكر للخروج بأقل الخسائر الممكنة، ووضع التحديات التي عانى منها الأردنيون طيلة فترة كورونا، بعين الاعتبار. على الحكومة أن تضع البدائل والخيارات قبل أن تتخذ أي إجراء باتجاه رفع الأسعار على أي سلعة أو خدمة، لا أن تبقى تستسهل جيب المواطن سبيلا وحيدا لتأمين حاجتها لسد العجوزات العديدة.
وظيفة الحكومة هي أن تشكل سياساتها سدا منيعا يحمي جيوب الناس، وأشغالهم، وتوفير احتياجاتهم، خصوصا الفئات الأكثر هشاشة، والتي تؤثر فيها السياسات الاقتصادية أكثر من غيرها. أما أن تستسلم لما هو مقبل من أمر واقع، وألا تحاول التأثير في مجرياته ومخرجاته، فيعني فشلها في التحضير لمعركة حاصلة لا محالة، وهي معركة لن يتضرر منها المواطن فقط، وإنما الدولة بقطاعاتها الاقتصادية المختلفة، وبموازنتها.
الخوف الذي وصلنا إليه اليوم من تأثيرات الأوضاع الاقتصادية وخطورتها على الحياة والمعيشة، هو حصيلة سوء تخطيط الحكومات المتعاقبة في إدارة الملف الاقتصادي على مدار سنوات عديدة، حيث كان يدار وفق سياسة “مشي حالك لحين ربك يفرجها”. اليوم لم يعد هذا القول ينفع في أي شيء، فنحن ننتظر خطة حكومية محكمة للتعافي الاقتصادي، تضع في اعتبارها مجمل الملف الاقتصادي، وعلى رأسه ملفات الفقر والبطالة وسوء توزيع مكتسبات التنمية. عندها قد نستطيع القول إننا فعلنا شيئا لكي لا نضطر إلى مواجهة المجهول!
الغد