facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




السلط حاضرة الماضي والمستقبل على قائمة التراث العالمي


أ.د محمد وهيب
28-07-2021 04:57 PM

مجتازةً امتحانها بكثير من التفوق، مسلحةً بالتاريخ والكثير من العلم والمعرفة، طلت علينا السلط أمس مُبشرةً بنجاحها، رافعةً منسوب السعادة والفخر بهديتها الى قلوب الأردنيين.

من اقصى الشرق، من الصين المُحملة بكل ما تحمله من تاريخ أصدر اليونسكو يوم أمس بأن السلط كانت وما زالت مدينة الحضارة والرقي البشري على المستوى العالمي والاقليمي والمحلي، وأنها مصدر للمعرفة بما تحمله من تاريخ تعاقب على ترابها، ويظهر في كرم وخُلق أهلها الذين توارثوه من ماضي غني ومنجزات تاريخية سطرته اياديهم وسواعدهم. فاعتلت السلط سلم الحضارة بجدارة، وتربعت على عرش مدن العالم بكفاءة. لست هنا بصدد الكتابة عن انجاز السلط الأخير وعراقة ساكنيها، بل ان أكتب عما تحمله هذه المدينة الأردنية من تاريخ طويل مثل الكثير من مُدن هذا الوطن، لنعلم ونُعلم الأجيال الأردنية القادمة أن هذا الوطن فيه الكثير من الأحداث والعبر والدروس وان الاف السنين من الحياة مرت على ترابه وستدوم بإذن الله.

لا يمكن السرد في تاريخ السلط من غير ذكر حضنها الكبير البلقاء أقدم مدن العالم في صناعة الثقافة والحضارة بدءاً من العصور الحجرية قبل نحو (٧٠٠٠ ق.م) حيث أُنشأت على ارضها واحدة من أضخم المدن التاريخية في وادي شعيب قرب المشتل، وكانت احدى مراكز حضارة الانسان الاول باعتراف العلماء والخبراء مشيرين الى أهمية الاكتشافات فيها، وتمكنت البلقاء من تثبيت اهم اكتشافات العصر الحجري على ارضها والذي يرجع الى أربعة ألاف وخمسمائة عام ق.م! وهي تليلات الغسول التي دُون فيها الكثير من الكتب والمقالات لتصبح نجمتها الفلكية تمثل شعاع الشمس في كل خزائن العالم، ويرفدها معالم خربة ريما في وادي حديدون ، واستمرت السلط والبلقاء بالحضور في العصور البرونزية(3000 ق.م) بإرساء قواعد أضخم القرى والمدن الزراعية، بمنهج الاستقرار والتفوق والريادة، وما زالت قرى ومدن العالم القديم ماثلة على ترابها مثل تل الطاحونة وتل الرامة وتل الكفرين وتل الاساور وعشرات المواقع والاماكن التي تنتظر معاول المنقبين لكشف كنوزها، وتبقى حقول الدولمنز اللغز الذي انفردت به المحافظة البلقاوية وحاضرتها السلط، وما زال اضخم حقول الدولمنز في سفوح البلقاء في الروضة يمثل فن هندسة العمارة الجنائزية بما فيها من تنظيم وتصميم قل نظيره، فكان اكبر حقول الشرق الاوسط بانفراد متميز، وتستمر حكاية المدينة فقد كانت السلط ومحيطها البلقاوي مزدهرة في العصور الحديدية وذاع صيتها في الافاق وتدافع علماء العالم يريدون ان ينالوا شرف التنقيب فيها من أوروبا وامريكا وجنوب شرق اسيا حتى ظهرت كتابات دير علا التي ابهرت العلم بمحتواها، وتراث تل بليبل، والحصون المنيعة، مثل تل حبسه والمطابع والروضة، والقائمة تطول وتكبر، ونالت ارض السلط والبلقاء اعتراف العالم ان تاريخها لا يوجد به انقطاع فالاستقرار فيها في العصر الهلنستي والروماني مستمر وشاملا كل اطرافها وبلداتها وسهولها وجبالها الشامخة، لكن الاكتشاف الأعظم للبلقاء وتاريخها والذي لفت انظار العالم اليها باحترام وتقدير ومحبة واستحقت لقب مدينة التسامح هو اكتشاف موقع (عماد السيد المسيح)على ثراها الطهور هذا الاكتشاف الذي دخل التاريخ من اوسع ابوابه و تحقق على ايادي ابناء السلط والأردن المحبين لوطنهم والذين كانوا يتوجهون كل صباح مبكرين ما بين الاعوام 1996- 2004ليكتشفوا حقيقة هذا المكان معلنين للعالم أجمع ان موقع (المغطس ) قد تم اكتشافه بسواعد أردنية، محققين نجاحات بدأت بالمسوحات الاثرية، والتنقيبات الميدانية، والصيانة والترميم، والنشر العلمي في المجلات العالمية، منجزين التطوير السياحي، فكانت بشارة الفرح الأولى مكتملة في العام 2015 عندما اجتمع العالم في اليونسكو للتصويت على ادراج المغطس على قائمة التراث العالمي، وتحقق الحلم والانجاز معا، وها نحن نعزز الفرح بدخول السلط على قائمة التراث العالمي لتصبح مُحافظة البلقاء وحاضرتها السلط فخراً لكل اردني واردنية وترفع رأسها عاليا انها المحافظة الوحيدة في المملكة الاردنية الهاشمية وفي بلاد الشام التي تمتلك موقعين على قائمة التراث العالمي بكفاءة واقتدار، وثبات مستمر نحو المزيد.

وسلسلة الإنجازات ما زالت مستمرة وعظمة السلط الحضارية تظهر كل يوم، وخلال العصور الكلاسيكية عندما اصبحت السلط حاضرة بلاد الشام قاطبة واصبحت طرق العالم القديم تعبر من خلالها لنكتشف ان طريق البخور الدولي، وطريق الايلاف القرشي ، وطريق الحج الشامي، وطريق الضفتين، كانت تعبرها، وترك لنا الاجداد هنا ارثا عظيما تحدث به العلماء والادباء والمؤرخون، فظهرت الحقيقة ممثلة بالمحطات والقرى الماثلة للعيان في يومنا الحاضر، فها هي (ضيعة بقنس ) بعمائرها وكهوفها ومزارعها وطواحينها تظهر في وادي شعيب وحوضها المسمى (معاوية) في اشارة الى معاوية بن ابي سفيان، وتظهر ايضا (ضيعة اليزيدية) ومحطتها الضخمة وأبنيتها وأبارها على طريق وادي الحور وام السرج التي اشعلت الشموع في كوات صخرية صغيرة لتنير درب قافة الايلاف القرشي التي عبرت السلط الى الشام، والأعظم، ان السلط كانت سوقاً اقليميا ما زالت بقاياه مشاهدة في خربة السوق (ومساحته اكثر من مئة دونم ) بجوار مغارة خشخش فترى المعاصر والمخازن والسوق والكهوف هنا وهناك، هنا في السلط اجتمعت قوافل الايلاف القرشي القادمة من الجزيرة العربية وقوافل تجارة فلسطين وقوافل تجارة الرافدين وقوافل الشام فكانت مجمعا تنطلق منه البضائع والمنتجات والفكر والثقافة الى كافة ارجاء الإقليم، نكتشف في كل يوم ان السلط كانت حاضرة بلاد الشام بامتياز واستحقاق تؤكده الاكتشافات الاثرية وكتب الرحالة والمؤرخين.
وتستمر السلط والبلقاء في العصور الإسلامية بسلسلة من المساجد والقرى الزراعية خلال العصور الاموية والعباسية والايوبية المملوكية والعثمانية حتى اصبحنا نشاهد معاصر السكر الاردني في اودية السلط وهي تصدر سكر القصب والشمندر الى اوروبا باعتراف علماء التاريخ والاثار حتى وصلت منتجات السلط الزراعية والصناعية الى اسواق فلورنس ومدن اوروبية عديدة، وعندما تسير في السلط والبلقاء تشاهد وتستشعر الايمان والتقوى والورع الديني الذي انفردت به السلط واهلها فعلى ارضها مقامات وقبور لأنبياء الله وصحابة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) الذين عاشوا على ثرى السلط ودفنوا في ترابها وعلى قمم جبالها وسفوحها.

وتبقى السلط بفسيفسائها الثقافي المتنوع حاضرة العالم القديم وتستشرف بجهود ابنائها وأهلها المستقبل بالحفاظ على ارثها العظيم، فطوبى للسلط والبلقاء وللوطن هذا الإنجاز الأردني الذي تحقق. مبارك للأردن ملكا، وشعباً، ولكل من ساهم في رفعة وعزة الوطن.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :