كيف ينظر الفكر الياباني إلى حالة الثقة في كل من اليابان والعرب؟
م. أشرف غسان مقطش
28-07-2021 03:40 PM
"إن الثقة لا تُسْتَورد، ولكنها تنبت في النفوس، وتنمو برعاية المجتمع كله". (1)
بهذه الكلمات اختتم المستعرب الياباني نوبوأكي نوتوهارا مناقشته لحالة الثقة في البلدان العربية، التي خصص لها بابا موسوما بوسم: (عن الثقة)، وذلك في كتابه الذي كتبه باللغة العربية بعنوان (العرب وجهة نظر يابانية). (2)
ولقد استعرض نوتوهارا في هذا الباب بإيجاز وجيز تاريخ الثقة في اليابان منذ عصر النهضة (عصر ميجي) حتى السنوات الأخيرة القريبة من لحظات تأليف كتابه. ورغم الإعتراف الواضح والصريح لنوتوهارا بأن السلوك على أساس من الثقة لم يكن أمرا سهلا في اليابان، إلا أن اليابانيين قرروا أن يسيروا في حياتهم على جادة الثقة لأنهم وجدوها "رباطا يشد المجتمع كله" على حد تعبيره، ولأنهم رأوا أن ضمانة الفرد الياباني هي الثقة. لذلك نجد اليابانيين وفقا له يتمسكون "بقوة في تثبيت الثقة كرباط اجتماعي يضمن لهم حياتهم في الحاضر والمستقبل". (3)
كان نوتوهارا موضوعيا في استعراض تاريخ الثقة في اليابان فسرد لنا مثالا يوضح فيه كيف اهتزت الثقة في بلده بين المجتمع والسلطة أواخر أيلول عام (1999) م، وذلك عندما حدث تسرب اشعاع من محطة توليد الكهرباء بالطاقة النووية "في معمل محافظة إيباراغي"، وكيف استعاد المجتمع الثقة بالسلطة نتيجة الإجراءات التي اتخذتها السلطة كرد فعل على هذا الخطأ الكارثي حيث إعترفت أولا بالتسرب -والإعتراف بالخطأ فضيلة-، وأوكلت ثانيا مهمة شرح أسبابه -وإذا عرف السبب بطل العجب- إلى علماء وخبراء -أي: طرف ثالث محايد من جهة، ومن جهة أخرى: الرجل المناسب في المكان المناسب- والذين قاموا بالدور المناط إليهم بشفافية تامة عبر وسائل الإعلام، وثالثا حددت مسؤولية من ارتكب الخطأ الذي تسبب بالتسرب حتى لو كان ابن أكبر مسؤول في كيانها. وأخيرا، بحثت السلطة في الوسائل الممكن اتباعها لضمان عدم تكرار وقوع الخطأ نفسه مرة ثانية. (4)
وإذا تساءل أحدنا عن الشيء الذي جعل السلطة في اليابان تتخذ مثل هذه الإجراءات؛ فإن الجواب في أغلب ظني كامن فيما قاله نوتوهارا: "إن وعي الثقة يحدد السلوك ويوجهه، وكأن الثقة جهاز يضبط المجتمع ويحافظ عليه سليما"، ولعله بقوله هذا اصاب كبد «الحقيقة» إن كانت هناك «حقيقة». (5)
ثم تحدث نوتوهارا عن حالة الثقة المزرية في الدول العربية مقارنا إياها بحالة الثقة في اليابان؛ فوجد "أن مفهوم الشرف والعار يحل محل مفهوم الثقة في مجالات واسعة من الحياة الإجتماعية العربية"، ومعنى ذلك أنه بينما يحدد وعيُ الثقة السلوكَ في اليابان ويوجهه بحسب قوله، فإن مفهومي الشرف والعار في تقديره هما اللذان يحددان السلوك ويوجهانه في الدول العربية.
ووجد نوتوهارا بالمقارنة ايضا أن المنفعة الشخصية المتبادلة قد حلت محل الثقة في العلاقات الإجتماعية العربية، ودليله في ذلك أنه دائما ما سمع "تعابير من نوع: عشان خاطرك!"، ولربما كان قد سمع عبارات أخرى على شاكلة "حكلي بحكلك". هذا وقد نبه نوتوهارا إلى النتائج الوخيمة لهذا الحلول، والتي تتمثل بخرق القانون، وما يجره هذا الخرق من تبادل للحماية بين الخارجين عن القانون، وازدياد مكاسبهم بطرق غير مشروعة، أي بين قوسين: الفساد. ودليلي في ذلك قوله: "كثيرا ما تقوم العلاقات في البلدان العربية على الصلات الفردية أو الخدمة الخاصة، أو أسوأ وسيلة وهي الرشوة". (6)
أخيرا وليس آخرا، تساءل نوتوهارا بوجع وألم: "متى تعتمد المجتمعات العربية على رباط الثقة"؟ (7)
هوامش المقال:
(1) كتاب (العرب: وجهة نظر يابانية)، لمؤلفه نوبوأكي نوتوهارا، منشورات الجمل، الطبعة الأولى (2003)، ص(88)
(2) المصدر السابق، ص(84-88)
(3) المصدر السابق، ص(85،87،84،88)
(4) المصدر السابق، ص(86)
(5) المصدر السابق، ص(87)
(6) المصدر السابق، ص(87،86)
(7) المصدر السابق، ص(88)