لجنة التحديث: محاكمة الأشخاص أم الإنجاز .. ؟
د.طلال طلب الشرفات
26-07-2021 11:42 AM
لجنة تحديث المنظومة السياسيه لجنة ملكية جاءت بإرادة سامية لهدف هاشمي وطني نبيل يتمثل في رفعة شأن الأردنيين وتحفيز دورهم الوطني في المشاركة السياسية وحوكمة المسيرة الوطنية بما يخدم تطلعات الأجيال القادمة في بناء وطن أنموذج في الحرية والمساواة والتقدم والعطاء، وإذا كانت اللجنة الملكية قد شرعت في عملها بحيوية وثقة وحرص فإن الواجب الوطني ومعايير نبل الأردنيين تقتضي أن ننتظر مخرجات اللجنة لمحاكمتها من خلال وعي الرأي العام، وحوكمتها من قبل المؤسسات الدستورية والمتمثلة في مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب وجلالة الملك بصفته الشريك الدستوري لمجلس الأمة وحامي الدستور الأمين.
أعضاء لجنة تحديث المنظومة السياسية ككل الأردنيين ليسوا منزهين من الخطأ والخطيئة ويخضعون كغيرهم من المواطنين الى قواعد المساءلة الشعبية والقانونية، ولكن لا يجوز تحميل هذا المشروع الوطني الكبير تبعات خطأ هنا أو ممارسة خاطئة هناك، والسبب يكمن أنه إذا أخذنا بمعطيات هذا المنطق المشوه فإننا تحكم على عمل كل المؤسسات الدستورية والعامة بالفشل الذريع ودون أن نتقدم خطوة واحدة للأمام، ونلغي بقصد أو يدون قصد دواعي البناء الوطني ونغرق في دوامة العدمية والفراغ.
وطنياً لا يجوز مغادرة كأس الأمل الوطني الممتلئ تقريباً في هذا الجهد إلى مساحات التشكيك وفراغات الوقيعة واليأس الطاغيين - للأسف - على المشهد العام هذه الايام؛ سيما إذا أدركنا أن معايير الإخلاص هي قيمة لا يحتكرها أحدٍ وترتبط إلى حدٍ كبير بنقاء السيرة ونبل المسيرة. وبما أن عمل اللجنة هو عمل وطني تطوعي ولم تتبدَّ بعد مخرجاتها السياسية وأفكارها النهائية؛ فإن أدبيات الشكر. والثناء هي الواجبة بأن تسود في سمات المزاج العام وضرورة مغادرة المشاعر الانطباعية ولو إلى حين.
في ظني الذي يقترب من الجزم فإن ثمة مقترحات ناجزة في مشروعي قانون الأحزاب وقانون الانتخاب؛ ففي الأول سنشهد لأول مرة فرصة حقيقية لقيام أحزاب سياسية برامجية فاعلة تغادر مربعات المراهقة السياسية ومنعطفات الغدر الكتلوي، ويضحي العمل الحزبي جزءا ًلا يتجزأ من الثقافة الاجتماعية السائدة في المشهد الوطني دون أن ينال ذلك من المكانة الوطنية للعشيرة، ودون حرمان للأقليات الديمغرافية من دورها المهم في الفسيفساء الوطنية التي شكّلت مع عموم الأردنيين أيقونة الوفاء والسلم الأهلي منذ تأسيس الدولة وحتى يومنا هذا.
وفي إطار مشروع قانون الانتخاب سنشهد انعكاساً فعلياً للآمال المعقودة على قانون الأحزاب في صياغة واقع انتخابي برامجي يعكس التمثيل المنصف لعوامل الجغرافيا والديمغرافيا والتنمية ويوصل المسار الديمقراطي التدريجي إلى الحكومات البرلمانية التي تعبّر بشكل راسخ وواضح عن إرادة الأردنيين، وتأخذ بعين الاعتبار مخاوفهم الوطنية المشروعة في صيانة الهوية الوطنية وتضحيات البناة الأوائل والمطامع الإقليمية التي لا تقف عند حد.
أما فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية فإن النطق السامي كان واضحاً في حصر تلك المقترحات في المسائل المتعلقة بالعمل النيابي كمنظومة متكاملة لإنجاح فكرة تعزيز دور الأحزاب البرامجية للوصول إلى الحكومات البرلمانية التي تجسدت برؤى ملكية سامية في الأوراق الملكية النقاشية. وكلي ثقة أن اللجنة ستقدم توصيات يمكن أن تسهم في تعزيز اللامركزية والحكم المحلي بما يوائم مقومات الدولة وحجمها الجغرافي والديمغرافي، وتمكين دور المرأة والشباب وبما لا يخل بثوابت المجتمع وتقاليده الراسخة ومقومات الرشد السياسي.
أجد لزاماً على القوى الحية الفاعلة إسناد عمل اللجنة خدمة للوطن والتحديث والإصلاح ، وتقديم مقترحات تسهم في تجويد مخرجاتها، سيما إذا ما أدركنا أن اللجنة تسابق الزمن لتقديم وصفة وطنية صادقة تشكل خارطة طريق مقترحة لتحديث منظومة العمل السياسي في المرحلة القادمة، ودولة رئيس اللجنة يتميز بانضباط وفهم وطني عالٍ لأولويات المرحلة القادمة يشاركه في ذلك عدد كبير من أعضاء اللجنة؛ الأمر الذي يستدعي أن لا نقف عند محاكمات شخصية مؤقتة وننسى أو نتناسى الهدف الأسمى وهو الولوج إلى أفق العمل البرلماني الحر.
وحفظ الله الوطن وقائد الوطن وشعبنا الوفي من كل سوء.