سنوات عجاف وصعبة مر بها الأردن في عهد إدارة ترمب كان فيها على القيادة الأردنية أن تستثمر كل مخزون حضورها في الساحة الأميركية لتخفيف أضرار تلك المرحلة التي كان عنوانها عملاً دؤوباً من إدارة ترمب لتنفيذ كل ما يؤمن به نتنياهو تجاه الملف الفلسطيني، وإلى جانب الحماس الأميركي لهذا كان نتنياهو يتعامل مع الأردن باعتباره عدوا كبيرا له، فالأردن يتعامل بندية وقوة في مواجهة السياسات الصهيونية تجاه القدس والمقدسات والملف الفلسطيني، ولم يلتفت الأردن إلى انعكاسات هذا على العلاقات الثنائية بين الطرفين والتي وصلت إلى أسوأ مراحلها.
وفي الإقليم كان هناك من يسعى لتكسير أجنحة الحضور الأردني، وكانت إدارة ترمب ومعها نتنياهو طريقا لهذا، وكانت صفقة القرن خنجرا ساما في فم الأردن، فهو إن قبل بها دفع ثمنا من هويته ومصالحه العليا ومعه دفع الشعب الفلسطيني الثمن الأكبر من حقوقه، وإن رفض كان عليه أن يدفع الثمن من ضغوطات وغيرها، لكن القيادة الأردنية اختارت الموقف السليم فانحازت للموقف الوطني والعربي، وقاومت الضغوط ومعها اصدقاء كانوا حتى داخل المؤسسات الأميركية.
وجاءت كورونا لتحمل معها أزمة عمقت التحديات الاقتصادية فزاد الحمل على الأردن، لكن الصبر كانت نهايته سياسيا رحيل إدارة ترمب وبعدها نتنياهو، كما استطاعت مؤسسات الدولة الأردنية أن تتجاوز الملف السياسي الصعب وهو ملف «الفتنة» الذي لم يكن بعيدا في بعض تفاصيله عما كان في مسارات اخرى.
الديمقراطيون في الولايات المتحدة يعرفون الملك جيدا، ويعرفون ما كان، ويعرفون أنه صاحب رأي لا يمكن تجاوزه في فهم قضايا المنطقة والعالم، ويعلمون أنه زعيم له مصداقية كبيرة جدا، وأنه حليف مهم وصاحب تجربة ووعي في ملفات المنطقة من إرهاب وتطرف إلى ملف السلام وملفات سوريا والعراق وإيران وهو زعيم قادر على بناء تعامل مثمر مع أي ملف وأزمة..
في واشنطن لم يكن الملك يحتاج إلى تمهيد فقد كانت زيارة مرحباً بها أميركيا، وكانت اللقاءات تتويجا لقناعات إيجابية بأن الملك والأردن لا يمكن تجاوزهما في إدارة ملفات المنطقة، وأن إدارة بايدن التي تبني تصوراتها تجاه قضايا المنطقة تحتاج إلى رأي الأردن ودوره.
هي الرسالة التي أرسلتها إدارة بايدن أكثر من مرة ولأكثر من طرف أن الملك والأردن لا غنى عنهما في مسار المنطقة، وأن الملك حليف يحمل فكرا ورأياً ويتحرك برؤية، وأنه حين يتحدث عن الملف السوري لا يمارس تحريضا أو إشادة بأي طرف، لكنه يقرأ الواقع وينصح بأفضل مسار للمنطقة والأردن، وكذلك العراق الذي يحتاج اليوم إلى كل دعم ليكمل مسار الدولة الوطنية في مواجهة كل محاولات تعطيل هذا المسار.
أما فلسطين فالفكرة واضحة أردنيا، فلا سلام لإسرائيل حليف واشنطن الأول دون اعطاء الفلسطينيين حقوقهم وأولها الدولة المستقلة، والملك من صناع السلام لكنه السلام الحقيقي وليس شكليات السلام..
الملك وصل واشنطن وأجندته واضحة، يعلم ما يريد، وما يجب أن يقول، وما يسعى لتحقيقه، وما هي المعوقات التي تواجه هذا السعي، وفي المقابل كانت الأرض الأميركية ممهدة أمامه بالقناعة بشخصه ودوره وحكمته، وإدراك لما مر به الأردن والضغوط التي واجهها، فكانت الرسالة الأهم أن الأردن وقيادته من أصول المنطقة المهمة، وأنه لا غنى عن الأردن في التعامل مع ملفات الإقليم، وحتى الود الشخصي الذي لقيه الملك وولي العهد فكان رسالة سياسية يفهمها كل من أراد الأمور باتجاه آخر.
تفاصيل الزيارة كثيرة لكن العنوان الأهم أن الخارطة السياسية للمنطقة على رأس عناوينها الأردن وقيادته، وأن كل ماتم لإضعاف الأردن وإرباكه بأكثر من مرحلة ووسيلة ذهب إلى حيث ذهب بعض من أرادوا ذلك.
واخيرا ورغم أهمية المصالح الأردنية فإن القضايا العربية كانت حاضرة بقوة، فالأردن يؤمن أن واجب خدمة القضايا العربية لا يقل أهمية عن مصالحه الذاتية، وهناك واجبك أن تدافع عن هذه القضايا بالمنطق والحجة والصدق، لكن دائما هنالك آخرون يقومون بخدمة مصالحهم بشكل يناقض مصالحك.
(الرأي)