أكثر ما يغيظني من الأصدقاء الذين يعلقون على مقالاتي أو مقالات غيري، هو ذلك البيت الشعري، الذي يكتفي أكثرهم بذكر نصفه -على اعتبار أنه بيت شعر معروف-ويقول:
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
مع احترامي للأعزاء، إلا أن هذا التعليق هو أسوأ مديح أتلقاه بشكل دائم، إذ رغم طريقته المتواطئة مع الكاتب، والذي يشي بأنني أقول كلاما سليما وجميلا ومهما، لكن الناس موتى ولا يستحقون أن يكتب لهم شيئا، فانت تنادي على أموات.. هذا تقول العبارة، وليس أنا طبعا.
بالرغم من الدور المتواضع للكتابة، الا اننا لا نكتب لموتى، بل نكتب لأحياء يعانون ويقاسون من اللصوص والفاسدين وسادة السحر الأسود والأحمر، وهم يبحثون عن وسيلة للخروج من دوائر التعب والقهر التي يعانون منها، وينتظرون من الكاتب أن يشخص لهم الحالة، لعلهم يجدون الحل.
لا أحد يكتب لموتى، بل عن الموتى، ولو ان المصلحين والكتاب صدقوا هذه الهذرمة اللغوية وانكفأوا على أنفسهم لما تقدمت البشرية، ولما بقي من سلالتهم ومن سلالة اصحاب (لا حياة لمن تنادي) سوى الفراغ.
دور الكاتب أن يكتب، ودوره ايضا ان يكتب شيئا يصل الى الناس ويمس حياتهم العملية وتطلعاتهم، ويمنحهم اضافة الى ذلك قيمة معرفية وأخرى فنية، تجعل من الكتابة الناجحة قبلة حياة ودافعا للعمل من أجل غد أفضل.
(الدستور)