في مقال حمل في طياته تشكيكاً غير معقول أو مقبول في تشخيص الواقع السياسي الأردني وغمز على قناة الدولة ومؤسساتها وجلالة الملك وجهوده الاستثنائية في تطوير الحياة السياسية ومعالجة الوضع الاقتصادي وإصلاح الإدارة العامة، أضحى واجباً على كل المشتغلين في الشأن العام والأقلام المربكة والمرتبكة في آنٍ معاً أن تدرك الحدود الفاصلة بين النقد المشروع والمحبّذ من جهة وجلد الوطن ومحاولة ذبحه على مقصلة النرجسية أو الشعبوية أو خدمة الأجنبي بقصد أو بدون قصد من جهة أخرى. والحالة الأولى حق قد يصل إلى مستوى الواجب، والثانية طعن مؤلم مدان يصل أحياناً إلى درجة العمالة والخيانة والنكران.
في أكثر دول العالم ديمقراطية يحظر على الكاتب والمحلل والسياسي أن يشوٌه المشهد الوطني أو يبالغ في توصيف العثرات وخاصة تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية أو ثوابت الوطن ومصالحه العليا، والجرائم الماسّة بأمن الدولة يتم التعاطي فيها بأساليب قانونية خاصة تعكس طبيعة اسرار الدولة وسبل الإبقاء على مصالحها العليا ودرء المفاسد الإقليمية والدولية. وسيادة القانون تكمن في تطبيق تشريعات أقرها بطريقة دستورية وإن كانت ذات طبيعة خاصة لحفظ الأمن الوطني والسلم الأهلي.
الدولة الأردنية دولة قوية ناجزة تحظى باحترام المجتمع الدولي بأسره، وجلالة الملك مؤمن بتطوير الحياة السياسية وتفعيل دور الأحزاب. وشرعية الحكم تستند الى مبايعة راسخة بين مؤسسة العرش والأردنيين وتوأمة خالدة لا تنتظر رضى قوة إقليمية أو دولية لأنها تستند إلى شرعية دينية ودستورية لا تنفصم. وصلابة موقف جلالة الملك من صفقة القرن والوصاية الهاشمية والممارسات الإسرائيلية المدانة تجذّر هذه الحقيقة الراسخة.
المخاوف الواهمة التي تصمنها المقال تبخرت أمام تطابق موقف الإدارة الأمريكية والكونغرس في تعظيم الدور الأردني المحوري في منطقة الشرق الأوسط واعتراف ليس جديداً بحكمة وحنكة جلالة الملك في عمله الدؤوب لخدمة شعبه وترسيخ قواعد الحكم الرشيد، وتوظيف تلك الثقة الدولية لخدمة قضايا المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والملف السوري.
لم يعد مقبولاً محاولات الضرب تحت الخاصرة الوطنية بدواعي حرية التعبير؛ بل أضحى من الواجب تغليظ العقوبات على كل مضامين التشكيك بثوابت الوطن العليا ومصالحه التي يتوجب أن تصان بقوة القانون وليس بأمنيات لم تعد بعض الأقلام تأبه بها؛ ذلك أن حرية التعبير محكومة دوماً باحترام ثوابت الدولة، سيما وأن محاولات النيل من دور الأردن الفاعل والمؤثر في المنطقة هو افتئات على الحقيقة وتقديم وصفة مجانية أو مدفوعة الثمن للأجنبي للنيل من دور الوطن على المسرحين الإقليمي والدولي.
الأردن لا يتورط بأمر وتاريخ الدولة الأردنية حافل بأمثلة وشواهد كثيرة غابت أو غيّبت عن ذهن الكاتبة وفي مقدمتها الملف السوري وملفات أخرى ليس من المناسب ذكرها، والأردن بحكمة قيادته دولة قوية راشدة تدرك تماماً حواف المسافة بين إدراك ضوابط المصلحة الوطنية العليا ومنزلقات ومحاذير الأزمات الاقليمية. ودقة القرار الأردني واعتداله، ومصداقية خطابه بقيادة جلالة الملك كانت أكثر من كافية لتجنيب الأردن الانخراط في أزمات كان يدرك خطورتها وانعكاسها على سلامة شعبه.
دس السّم في الدسم مسرحيات باتت مكشوفة للرأي العام، والفناء الأردني لم يعد مقبولاً أن يستظل به سوى المخلصين لترابه وقيادته وأمنه الوطني، والبئر الأردني النقي لم يعد يتسع لمزيد من حجارة العابثين، والأصوات التي تعبث بأمنه واستقراره وسلمه الأهلي؛ آن أوان لجمها بقوة القانون كي لا نضطر مكرهين فيه أن نصنع رحى للريح تتحدث عنه الركبان.
حفظ الله الوطن وجلالة مليكنا المفدى الذي نفاخر به الأمم في كل محفل ومقام وشعبنا الطيب من كل سوء…!