بداية لست بصدد تنميق العبارات والمصطلحات..
لكن لبعض من يتحدث عن الإصلاح فإن دين الدولة الأردنية هو الإسلام، مع مراعاة نص الدستور في المحافظة على حرية ممارسة الطقوس الدينية وفقًا للعادات المرعية في المملكة ما لم تكن مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة.
ذلك العمل الديني الدنيوي الذي بلينا بزمان يتهكم فيه بعض من ينتسب للإسلام على نسكهم؛ ويزدرون شعيرة من شعائر دينهم، ويحقرون فيه هدي نبيهم وجد نبيهم فقد روي عَنْ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا».
ومن هذا المنطلق نقول:
إن قضية النحر ليست فقط فى النسك وإهراق الدم قربانا لرب العالمين وهي كبيرة إلا؛ على الطائعين المستسلمين ولنا فى بني إسرائيل العبرة حين أمروا بذلك فماطلوا وجادلوا ثم ذبحوها وما كادوا يفعلون!!
لكن المعنى الأهم والقيمة الأخطر تقع فى رمزية الفعل نفسه ولا تتبين إلا عند إرجاعه إلى أصله الذى بدأت به تلك السنة وشرعت به هذه الشعيرة إنها التضحية العظيمة التى بدأ بها الأمر كله؛ حينما هبَّ نبي الله إبراهيم عليه السلام من نومه وقد ثبتت الرؤيا واستقر الوحى ورؤى الأنبياء حق؛ وليست مجرد كابوس كما يتشدق بعض الإصلاحيين الجدد.
لقد صدر الأمر بالتضحية وجاء موعد البلاء المبين بعد كل تلك البلاءات المتتابعات من جفوة الأهل وإلقائهم إياه فى برد الجحيم وارتحال فى البلدان أليم ومراودة لزوجه من أفاك أثيم و تركه لذريته فى واد غير ذي زرع عن الماء عقيم، بعد كل ذلك يأتى البلاء المبين وتكون وولدك عند حسن الظن يا إبراهيم.....
لقد أقدم الخليل على تلك التضحية التى لا توصف وقال الكلمات لولده الذى طالما انتظره وها هو قد بلغ معه السعى واشتد عوده و آن الوقت ليكون له سندا و عونا فإذا به يؤمر بذبحه ترى كيف كانت مشاعره فى تلك اللحظات و هو يتفرس فى ملامحه وينظر إلى قسمات وجهه الذي طالما اشتاق إليه ؟! كيف كان حال قلبه المتدفق بمشاعر الأبوة الحانية و هو يردد على مسامعه {يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى} فقال الولد الصالح الذى ورث عن أبيه الخليل أدبه مع الرب الجليل "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين".
فلما أسلم و خضع واستسلتم، ورقد الغلام على وجهه و صار للأرض الجبين و لامس العنق السكين رفع البلاء المبين و جاء الفداء من الرحيم الكريم وقال "وفديناه بذبح عظيم" هذا المشهد الذى يحمل أسرارا عميقة و مشاعر يعجز القلم عن وصفها تلخصه كلمة واحدة التضحية تضحية ربما لم يعرف العالم مثلها قد يجوع المرء ليشبع ولده و يتحمل البرد ليدفىء ابنه و قد يحرم نفسه من اللذة و المتاع ليهنأ فلذة كبده أما والد يقدم على ذبح ولده امتثالا لأمر مولاه و دون لحظة تردد !! إن هذا لشىء عجيب، بيده هو و ليس بيد غيره..... و رغم ذلك يتقبل الرؤيا بصدر رحب، و يقبل ولده، و كأنما يقولان للعالم بلسان الحال : لا نقدم شيئا على تعظيمنا لله لا شيء يقف بيننا و بين مراد الله لن يعطلنا عن إرضائه و امتثال أمره" .
تلك هي الشعيرة العظيمة في عالم كثر فيه الفقر وانهكت قوى الناس في توفير لقمة عيش تسد بها رمق عائلتها؛ فيما البعض يتنعمون بعيش رغيد يستكثرون تلك اللقمة على الفقير الى الله، من لا يمتلك قوت يومه .
عندما يتحدث سيدنا وقائدنا المفدى عن الإسلام بصدر رحب أمام المحافل الدولية ويصف ذلك الدين العظيم بأجمل العبارات وأكثرها حكمة (ترغيبا لا ترهيبا) فهو لا يتحدث عن ذلك عبثا وهو من نسل شريف طاهر يفاخر العالم بهذا النسب الشريف ونحن نفاخر به الدنيا.
من يريد الإصلاح ممن وضع سيدنا ثقته به عليه أن يكون مصلحا، لا مجرحا لدين الدولة التي يعيش على أرضها الطهور ....
تلك الثقة غالية فمن لم يكن على مستوى ثقة قائد البلاد في الإصلاح فعليه أن يبدأ باصلاح نفسه ومعتقداته أولا؛ وحتى يتسنى له ذلك عليه أن يترك الإصلاح لأهله.